كيف نواجه الركود الاقتصادي المقبل؟

  • 4/14/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعرف الركود بأنه انخفاض في النمو الاقتصادي للدولة أو تسجيل نمو سلبي في ناتجها المحلي الإجمالي لمدة ربعين متتاليين؛ ما يؤدي إلى تراجع كبير في نشاطها الاقتصادي، يستمر لمدة تراوح بين ستة أشهر وعامين، تزداد فيها معدلات البطالة وتنخفض خلالها قيمة الاستثمارات وأرباح الشركات. أما الكساد فهو أشد وطأة من الركود، ويعرف بحدة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 10 في المائة ويستمر لعامين أو أكثر، وذلك نتيجة تراجع معظم القطاعات الاقتصادية في الدولة، مع ارتفاع وتيرة التضخم وزيادة نسبة البطالة وانخفاض كمية الإنتاج وتراجع الأسعار والإيرادات؛ لتنخفض السيولة النقدية ويتهاوى عديد من الشركات والمؤسسات نتيجة إفلاسها. ولكل من مراحل الركود والكساد أسباب محددة، تلتقي في ملامحها وتختلف في حدتها. فخلال الأزمة المالية الخانقة في نهاية عام 2008 عقدت جامعة هارفارد الأمريكية ندوة اقتصادية عن أسباب الأزمة التي هوت بالاقتصاد الأمريكي إلى مشارف الركود، شارك فيها ستة من أفضل خبراء الاقتصاد من أساتذة الجامعة. اتفق الجميع على أن التمادي في تسهيل القروض العقارية بأساليب غير مسبوقة، وانعدام الشفافية في الأنظمة المالية بطرق أقرب لاستباحة الأموال العامة، وانحسار السيولة في الأسواق التجارية بشكل يتنافى مع أبسط القواعد الائتمانية، هي الأسباب الرئيسة الثلاثة التي أدت إلى ركود الوضع الاقتصادي الأمريكي. وما أشبه الليلة بالبارحة، فمنذ الإعلان قبل أشهر معدودة عن جائحة فيروس كورونا دخل النمو الاقتصادي العالمي في مرحلة الخلل بين الإنتاج والاستهلاك، لتبدأ سلسلة من تباطؤ النمو نتيجة ارتفاع العرض وانخفاض الطلب؛ ما أدى إلى تدني المبيعات بسبب ضعف القدرة الشرائية عند المستهلكين. وقام المنتجون تباعا بتخفيض إنتاجهم؛ ما أدى إلى تراجع وتيرة الاستثمار في الإنتاج، فتعثرت سلاسل إنتاج السلع واختلت أنشطة الخدمات لتتحول الأرباح إلى خسائر، ما دفع القطاعات الاقتصادية إلى تسريح أعداد كبيرة من موظفيها لتزداد معدلات البطالة وتتدنى القدرة الشرائية. وعندما تتفاقم هذه النتائج السلبية تبدأ الأسواق بالتوجه نحو الركود نتيجة تفشي حالة من الخوف والهلع لدى المستثمرين والشركات لتخمة المعروض وتراجع الإنفاق بشكل حاد، تؤدي جميعها إلى تراجع الاقتصاد متجها نحو مرحلة الكساد. وهذا ما نراه قادما في قريتنا الكونية نتيجة سرعة انتشار فيروس كورونا، وتسارع الدول لاتخاذ قرارات صارمة لحماية صحة مواطنيهم، مثل حظر التنقل والتجوال ومنع الاختلاط؛ ما أدى إلى تراجع وتيرة البيع والشراء واختلال سلاسل الإنتاج والإمداد وتوقف معظم الأنشطة الخدمية، فسارعت المنظمات الدولية إلى تخفيض توقعاتها لعام 2020، ووصفته بعام تباطؤ النمو الاقتصادي؛ إن لم يكن تراجعه وركوده. في الشهر الماضي بادرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بخفض توقعاتها إلى النصف، من 2.9 إلى 1.5 في المائة، وقبل أسبوعين قلص صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصادات المتقدمة إلى معدل 1.6 في المائة عامي 2020 و2021، منخفضا 0.1 في المائة من توقعاته السابقة، وأوضح أن النمو سينخفض في أمريكا من 2.3 في المائة عام 2019 إلى 2 في المائة عام 2020، ثم إلى 1.7 في المائة عام 2021. وجاء البنك الدولي في الأسبوع الماضي ليتوقع نموا اقتصاديا متواضعا في العام الجاري لا يزيد على 2.8 في المائة؛ ليرتفع في العام المقبل إلى 3.2 في المائة فقط. كما توقعت منظمة التجارة العالمية قبل ثلاثة أيام أن الاضطراب الاقتصادي المفاجئ نتيجة انتشار الفيروس سيكون مدمرا بشكل غير مسبوق على الصادرات والواردات التي ستنخفض في حدود 32 في المائة، لتصبح الصدمة أسرع حدة على التجارة الدولية من الأزمة المالية العالمية عام 2008، وأكثر وطأة على الاقتصاد العالمي من الكساد العظيم الذي حل بالعالم في ثلاثينيات القرن الـ20 بناء على ما سبق، وإضافة إلى المحفزات المميزة التي بادرت المملكة باتخاذها وتطبيقها، فإنه يقترح أن نبدأ أيضا بتقييم النتائج السلبية المتوقعة على سلاسل الإنتاج والإمداد والأنشطة الخدمية في المملكة لوضع الحلول الملائمة لحماية اقتصادنا من تداعيات الركود التي تشمل المقترحات التالية: أولا: توقيع جميع الأجهزة الحكومية والشركات المملوكة من الدولة عقود شراء طويلة الأجل ابتداء من 1 مايو 2020، مدتها لا تقل عن ثلاثة أعوام، لتأمين جميع احتياجاتها الحالية والمستقبلية من منتجات المصانع الوطنية، واللازمة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية والتنموية والتعليمية والصحية والسياحية والترفيهية والسكنية، وذلك لتأمين عدم توقف المصانع الوطنية عن الإنتاج وتخفيف حدة تعثرها، وتحقيق عوائدها من خلال ضمان تصنيع سلسلة الإمدادات المستقبلية المطلوبة لهذه المشاريع. ثانيا: أهمية قيام وزارات البيئة والمياه والزراعة وصوامع الغلال والصندوق الزراعي بتوفير مخزون استراتيجي آمن لمدخلات الإنتاج المحلي الزراعي والحيواني، مثل الذرة وفول الصويا والشعير وغيرها من الأعلاف، لمدة لا تقل عن عامين، مع السماح لمنتجي اللحوم والدواجن بزراعة بعض هذه الأعلاف استثناء لمدة دورتين متكاملتين على أقل تقدير، وذلك تحسبا من وقف تصديرها للمملكة أو ارتفاع أسعارها عالميا. ثالثا: حث الجهات الحكومية والشركات المملوكة من الدولة على تمديد عقود التشغيل والصيانة والتوريد مدفوعة الأجر لمدة عامين على أقل تقدير ابتداء من تاريخ 1 مايو 2020، وذلك لتخفيف الخسائر المتراكمة على شركات القطاع الخاص نتيجة التوقف عن العمل وتراجع وتيرة دفع المستحقات المتراكمة. رابعا: ضرورة قيام الهيئات العامة للزكاة والدخل والموانئ والجمارك بإلغاء كل الرسوم والضرائب المفروضة على الواردات والصادرات السعودية لمدة لا تقل عن عام واحد ابتداء من أول شهر مايو المقبل. هذه المقترحات، إضافة إلى حزمة المحفزات المميزة، التي سبق أن أعلنتها المملكة ستؤدي إلى التوازن المطلوب في القطاع الخاص عامة، والإنتاجي خاصة، كي يستمر في تأدية واجبه وتحفيزه للوصول به إلى بر الأمان وتحقيق أهداف رؤية المملكة وبرامجها الطموحة دون تقصير.

مشاركة :