دبي:«الخليج» عقد صالون القراءة مساء أول أمس الاثنين في ندوة الثقافة والعلوم أولى جلساته الافتراضية حول رواية «المعطف» للكاتب الروسي نيكولاي جوجول، ولاقت نجاحاً كبيراً من المشاركين، مما حدا بإدارة الصالون إلى توسيع قاعدة المشاركة لأكبر عدد من الراغبين ما أضفى تفاعلاً حماسياً وجاداً.حضر الجلسة عائشة سلطان عضو مجلس إدارة الندوة ورئيس اللجنة الثقافة، ود. سلطان الرميثي الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، المدير التنفيذي للتحرير والنشر في شركة أبوظبي للإعلام، ود. مريم الهاشمي أستاذة الأدب العربي بكليات التقنية، والكاتبة الإماراتية فتحية النمر والمهندسة هالة عادل، والإعلامي نادر مكانسي والشاعرة كريمة السعدي ومجموعة من المشاركين.رحبت عائشة سلطان بالحضور وألقت الضوء على العمل الأدبي، وذكرت أن رواية المعطف هي إحدى كلاسيكيات الأدب الروسي، وتجسد مرحلة النضج الإبداعي لديه، كما يمثل هو ككاتب ومسرحي الأب الروحي للأدب والأدباء الواقعيين الذين ولدوا من قلب المعاناة والفقر والظلم الطبقي والتهميش خلال فترة الحكم القيصري، ومن هنا جاءت المقولة الشائعة (كلنا خرجنا من معطف جوجول) والتي تنسب لأكثر من أديب. وقالت: «المعطف تجسيد للتيار الواقعي الروسي، وتعبير حقيقي عن حالة المهمشين الذين كتبت عليهم أقدار محددة لا يستطيعون الفكاك منها وهذا ما يجسده بطل الرواية (أكاكي أكاكيفيتش) ومعطفه الجديد».وتساءل د. سلطان الرميثي من واقع قراءته للرواية: هل يحق لذوي الشخصيات المهمشة أن يحلموا في الحياة؟ وقال: «اقتصر حلم بطل القصة على معطف جديد يواري فيه سوءة حياته، والتي وإن كانت رتيبة في كل تفاصيلها، إلا أنه كان يراها حياة روتينية بسيطة يستحقها جموع البشر ممن يعيشون في قاع المجتمع، كان حلمه معطفاً جديداً - فقط لا غير- وكأن الحياة تختبر صلابتنا، وتمتحن قدراتنا على المواجهة من أجل أحلامنا».وعلقت الكاتبة فتحية النمر قائلة: إن الأدب الروسي واقعي، نقدي، يعري المجتمع بطريقة رائعة توظف السخرية، والمعطف هي قصة لأعظم كتاب روسيا في عام 1847 أي قبل أكثر من ثلاثة قرون من اليوم، وحين نخضعها للسؤال: هل هناك ما يوحي أن في بنائها أو مضمونها بأنها كتبت في ذلك الزمن البعيد؟وتجيب النمر: «الحقيقة لا. لا شيء يشير إلى هذا حيث البناء نفسه هو السائد اليوم، من تقنيات سرد وحوار ووصف وزاوية نظر ومخاطبة القارئ، فضلاً عن أنها من حيث المضمون، قد تعرضت لمشكلة إنسانية عامة هي الفقر المدقع وتأثيره على الإنسان، لذا فهي رواية خالدة ويحق لنا أن نسميها بالأثر الباقي».وأضافت: إن أكثر ما لفت انتباهي في القصة هو الشخصية الرئيسية «أكاكي» التي (كأنها خرجت من تحت يده بضربة معلم) ولم يترك فيها جانباً إلا وأفصح عنه وأضاءه بلغة سلسة (ذو رأس صغير وأصلع فوق الصدغين ووجهه مجدور وقامته ليست طويلة).وتحدثت النمر عن الناحية النفسية لبطل الرواية حيث يتصف بالهدوء والتأني والطيبة والتحكم الشديد في انفعالاته، ولا يلتفت إلى ما يقذفه به الناس من كلام ساخر وبذيء، وهو شغوف بعمله ويتلذذ به ويأخذه معه إلى بيته ليتسلى بإنجازه ليلاً.وقالت هالة عادل: اشتهر جوجول بأسلوبه الكوميدي الساخر، وأهم ما قيل في روايته ورد على لسان دوستوفيسكي: «إننا كلنا خرجنا من معطف جوجول» والمعطف هو رمز أحلامه وما يصبو له، العظمة في هذه الرواية هو في تفاصيلها الدقيقة، ومن وجهة نظري أن بطلها استسلم بسبب الخذلان والتهميش وهشاشة شخصيته حين سلب منه معطفه. وأكد نادر مكانسي أن موضوع الفقر في القصة له دلالة كبيرة، كيف أن الفقير له حلم، يسرق منه، دون أن يتمكن من استعادته، حلم يتمثل بالمعطف الذي ادخر كثيراً لشرائه وحرم نفسه من أمور عديدة.وأشارت ليلى سعيد إلى تلك الأشباح التي تلاحق بعض السكان، ورأت أنها تمثل الضمير الإنساني لبعض من قسا على أكاكي، وأن الطبيعة البشرية، رغم قسوتها الظاهرة في بعض الأحيان، إلا أن يقظة هذا الضمير تظل حاضرة لدى البعض. من جانبها قالت د. مريم الهاشمي: «لا يمكن الاختلاف على حضور الكفاءة الأدبية لجوجول من خلال معطفه، الذي استطاع به أن يثير كفاءات قرائية لعمله، فالأدب ما هو إلا نظام سيميائي يختلف عن النظام اللغوي فقط من حيث المستوى».. وأشارت إلى حضور خاصية «القبح» في الرواية، الذي يندرج تحت مظلة الملهاة (الكوميديا ) أو السخرية ويصعب تعريفه تعريفاً مقبولاً، إذ تتغير معانيه من حقبة إلى حقبة، ومن حركة ثقافية وفكرية إلى أخرى.
مشاركة :