تأملات إنسانية

  • 4/18/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تطورت علاقة كثيرين بالواقع نحو الأفضل، هكذا تقول القصص والمقولات التي يتناقلها الناس من معظم أنحاء العالم الذين يعيشون أجواء وإجراءات الجائحة التي تلم بالبشرية هذه الأيام. تذكرت يورجن هابرماس فيلسوف النقد والتواصل الذي قال، "المهم في علاقتنا بالواقع ليس الواقع نفسه، ولكن الأفكار التي نكونها عنه". هذه المقولة التي وردت في كتابه "المعرفة والمصلحة" أجدها تتجسد بشكل أو بآخر هذه الأيام، وأجد أن كثيرا ممن التزم بتعليمات التباعد التي أفضت إلى عزلة جزئية، بدا يصنع فلسفته الجديدة عن نفسه وعن الحياة والناس والأشياء. التأمل دائما مدعاة للتغيير، فمثلا في بداية الأمر عندما كان الإحساس الجمعي بأن كل ذلك سيدوم أسبوعين أو ثلاثة لم تكن المدة التي برمجت في العقل الباطن كافية لكثير من التغيير، فهي تقارب مدة إجازة - حتى لو كانت إجازة غريبة - وهي قريبة جدا من الاحتمال حيث إنها تشبه انحباس المرء لظرف صحي أو عائلي أو دراسي أو عملي لفترة مقبولة. حسنا، مع استطالة المدد للحفاظ على الإنسان - شكرا لحكومتنا الناجحة جدا في هذه الأزمة - وجه البعض بوصلة التفكير والتدبير لواقعه، أعاد اكتشاف تفاصيل كثيرة في حياته، وإن كان البعض يتندر على كثير من المواقف، فإن هذا التندر يمكن عده الوهلة الأولى لبعض الإدراكات، وهو يعكس اعترافا ضمنيا بمعرفة هذا الواقع الذي حجبته بعض أوهام الحياة العصرية المتسارعة إلى درجة تمييع كثيرا من أفكار الإنسان عن نفسه ومحيطه، أي عن واقعه. ربما يجول في خاطر القارئ التركيز على الطعام النظيف واكتشاف غباء الإدمان على المطاعم، وعلى إعادة تقييم موقع الحلاق أو "الكوافيرة" من أولوياته، أو كيف كان كثير من العمالة يستغله في أشياء اكتشف أنها بسيطة، وهذه أفكار معقولة ولها أهميتها، لكن الأهم الذي يتكشف تدريجيا هو العلاقات الإنسانية داخل الدوائر الأصغر والأكبر وصولا إلى دائرة "البشرية". رغم تصنيف الشعوب لبعضها تبعا للجنسية، إلا أن هناك مشتركا إنسانيا جمعيا ظهر مجددا، وهو ظهور ليس نظريا أو أكاديميا في بحث ما، أو ضمن مقررات منظمة دولية تختفي عند الشدائد، أنه واقع معاش حتى بات عامة الناس ممن لم يكونوا يعرفون أسماء دول بعينها، يعرفون اليوم أسماءها وأسماء حكامها ومقدار اهتمامهم بشعوبهم، وعلاقة شعوبهم بهم، ونوعية اقتصادهم، وعاداتهم الحقيقية وليست تلك " السياحية" التي شاهدوها ذات سفر. هناك كثير لنتأمله، وكثير مما سنتعلمه - حفظ الله - المملكة وأهلها وضيوفها.

مشاركة :