راجت خلال العقود الثلاثة الماضية رواية مفادها أن السعودية وباكستان لديهما تعاون في المجال النووي. ومنذ ذلك الحين أصبحت الزيارات التي يقوم بها المسؤولون السعوديون إلى باكستان والعكس مجالاً خصباً للقصص والتأويلات الغربية، وخلال الشهر الماضي شهد خط الرياض - إسلام أباد نشاطاً دبلوماسياً على أعلى المستويات، فوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل زار باكستان ليومين ليؤكد أن البلدين اللذين أمضيا اتفاقية صداقة وسلام دائمة في مطلع الخمسينيات مازالا على عهدهما القديم. ولحق بالجولة الدبلوماسية زيارة نائب وزير الدفاع الامير سلمان بن سلطان. وفي الواقع تتسق العلاقات مع اسلام اباد وتنسجم مع التوجه السعودي كثيراً، والذي بدأ يأخذ شكلاً مختلفاً بعد أحداث 11 سبتمبر، بالرغم من أن العلاقات السعودية - الباكستانية تمتد منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي إلا أنها اتخذت طابعاً عميقاً ذا صبغة استراتيجية سنة بعد سنة مع الحفاظ على شكل تصاعدي، خصوصاً أن الثقة المتبادلة مع اسلام اباد هي من يغذي هذا التوجه. إن القلق الغربي من العلاقات السعودية - الباكستانية مرشح إلى مزيد من الريبة، خصوصاً أن هذا الشعور يتعزز مع حالة الازدهار في التواصل التي تعيشها الرياض وبكين، والحقيقة أن الصين وباكستان بعلاقتهما المتميزة مع المملكة سيشكلان قلقاً يبرره الغرب من تصاعد الحضور العسكري المتميز للبلدين اللذين بدآ يطوران علاقاتهما في هذا الاطار وأعني الصين وباكستان. لكن هل على الغرب أن يقلق؟ الحقيقة أن على الغرب أن يدعم ويعوّل كثيراً على العلاقات السعودية مع باكستان بوصفها علاقة مثمرة نافعة لحالة السلم في آسيا، إذ بمقدور المملكة التي تحظى بعلاقات متميزة مع الهند وباكستان على حد سواء، أن تكون بمثابة حلقة الوصل الايجابية والقادرة على التأثير في مسار العلاقات بين نيودلهي واسلام اباد، خصوصاً أن لدى هذين البلدين الكثير من التوترات، التي يمكن أن تنشأ عنها أعمال ذات طابع حربي وهو أمر بحد ذاته خطير لدولتين نوويتين ويهدد الأمن العالمي. في ذات الوقت بمقدور السعودية التي تحظى بسجل جيد في محاربة الارهاب أن تقدم نفسها للانخراط في مجموعة من الجهود والعمليات الثلاثية مع باكستان ونيودلهي لمحاربة الارهاب الذي تخشى تصاعده هذه الدول مع اقتراب الانسحاب الاميركي – الاطلسي من افغانستان. حتى الولايات المتحدة التي تمر علاقاتها مع باكستان بفترات من المد والجزر، يمكنها أن تهتم وتستفيد من الازدهار في العلاقات بين الرياض واسلام أباد، وأن تنسى فكرة اعتبارها الدولة الوحيدة القادرة على تنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية. إن إبداء عدد من المحللين الغربيين قلقهم حول العلاقات السعودية – الباكستانية بحجة التعاون النووي أمر غير واقعي. فالبلدان قادران على القيام بذلك في إطار قانوني تشريعي يتيح لهما الاستفادة من بعضهما كما يجري حالياً في المجال الدفاعي. لذا فإن الأفضل للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة النظر بإيجابية للعلاقات بين الرياض واسلام اباد على افتراض أن الوفاق بين هاتين الدولتين يحقق السلام وليس العكس.
مشاركة :