انتزاع طفل من عائلته ثم رشقه أمام براثن المجهول لسنوات، فلا يعلم إلى أين المصير، هكذا كانت بدايات سلسلة جرائم اُرتكبت بمجتمع لم يألفها من قبل، فعند تشابك خيوط الحقيقة ما بين اعتراف برئ واعتراف خبيث رُسمت لنا جرائم في أحلك مراحلها شرعت باختطاف وانتهت بالمطالبة بتنفيذ حد الحرابة، صعق المجتمع السعودي بجرائم شنيعة تجسدت في خاطفة الدمام التي ضج صيتها في وسائل التواصل الاجتماعي ما بين منتقد وما بين منتظر لما سيصدر بحقها من حكم, كما أنها بثت الرعب بالمجتمع. ها قد أسدل الستار أخيراً بعد سلسلة من الإجراءات بلغت (247) إجراءً و(40) جلسة تحقيق مع (21) متهمًا وشاهدًا, أنهت النيابة العامة تحقيقاتها بتوجيه التهم إلى (5) متهمين طالبت بإقامة حد الحرابة بحق ثلاثة منهم, وعقوبات مغلظة طبقاً للأنظمة الجزائية بحق المتهمين الرابع والخامس ومطالبة الإنتربول باستردادهما من خارج البلاد, فالتهم الموجهة من قبل النيابة العامة جاءت بناءً على أدلة وأقوال شهود أثبتت أن جريمة الاختطاف المرتكبة توفرت بها أركان الجريمة الجنائية الثلاثة: الركن الشرعي: يتمثل هذا الركن في تجريم فعل اختطاف الأطفال القصر، واعتباره جريمة خطرة تهدد كيان الأفراد والمجتمع, الركن المادي: ويتمثل الركن المادي لهذه الجريمة: (الضحية, وفعل الاختطاف), الركن المعنوي: يقصد به أن تكون إرادة الخاطف سليمة من عيوب الإرادة الثلاثة، وأن يكون عالماً، ومدركاً أن ما يقوم به سوف يلحق أضرارًا بالضحية وبأهله وبالمجتمع. وكانت التهم الموجه للخاطفة التي كانت على رأس هرم الجريمة: الخطف لثلاث مرات, تزوير أوراق رسمية (هوية) وخلط أنساب, حرمان طفلين من التعليم لأكثر من عشرين عامًا, حرمان أسر المخطوفين من أبنائهم الثلاثة, حرمانهم من حقوقهم كمواطنين سعوديين, بث الرعب في المجتمع لثلاث مرات, فقدان الناس الثقة في مزود الخدمة الصحية المجانية وهو المستشفيات الحكومية, الضرر النفسي الذي لحق بالمخطوفين وذويهم ,السحر والشعوذة. ما انتهت إليه النيابة العامة من المطالبة بحد الحرابة بحق المتهمين يذكرنا بجدالات أثيرت في القوانين الوضعية حول قسوة العقوبة بالقصاص أو حد الحرابة أو أي عقوبة تنتهي بالقتل, أنها جزاء غير عادل وأن المجرم مريض يجب علاجه, في مثل هذه القضايا أُثبت عكس ما يدعون, فما هو إلا مجرم فقد إنسانيته وضميره ولم يعد له مكان في مجتمعه, فأي عقوبة تنتهي بالقتل أو فيما دونها ليس فيها قسوة ولا شبهة قسوة، بل هي الرحمة كما عناها الإسلام، فهي أمر عقلي، تسير جنبًا إلى جنب مع العدل وتتجاوب معه، فهذه العقوبات رحمة جاءت بها الشريعة الإسلامية التي هي دستور وأساس النظام السعودي، ولا شك أن إقامتها من العدل الذي يدخل في عموم هذه الرحمة، إذ إن الغرض منها هو حقن الدماء، والكف عن العدوان.
مشاركة :