حول الحيلولة دون الدخول في فترة ركود مطولة هناك مزيد مما ينبغي عمله والوقت الحالي هو أنسب وقت لاستشراف المستقبل. وأقتبس من كلمات وين جريتسكي؛ لاعب ومدرب هوكي الجليد الكندي المرموق: "فلتكن وجهتك إلى حيث يتجه قرص الهوكي وليس حيثما كان". فنحن بحاجة إلى التفكير المتعمق حول وجهة هذه الأزمة وكيف يمكننا الاستعداد لمساعدة دولنا الأعضاء، مع مراعاة المخاطر والفرص على حد سواء. وعلى غرار استجابتنا القوية في المرحلة الأولية من الأزمة لتجنب ما قد تخلفه من ندوب دائمة على الاقتصاد العالمي، فإننا لن نتوانى عن بذل الجهود لتجنب الدخول في فترة ركود مطولة ومؤلمة. وأشعر بالقلق بصفة خاصة بشأن الأسواق الصاعدة والدول النامية. فقد تعرضت هذه الاقتصادات لأشد تحول في مسار تدفقات الحافظة على الإطلاق، وبلغت نحو 100 مليار دولار. وتعرضت الدول المعتمدة على السلع الأولية لصدمة أخرى من جراء هبوط أسعار الصادرات. وتتعرض حاليا الدول المعتمدة على السياحة لانهيار إيراداتها، مثلما يحدث في الدول المعتمدة على تحويلات العاملين في الخارج لدعم مستويات الدخل. وبالنسبة للاقتصادات الصاعدة، بإمكان الصندوق المشاركة في جهودها من خلال أدواتنا الإقراضية المعتادة، بما فيها الأدوات ذات الطابع الوقائي. وقد يتطلب ذلك توفير موارد هائلة في حالة تعرض الأسواق لمزيد من الضغوط. ولمنع انتشار هذه الضغوط، فإننا نقف على أهبة الاستعداد لاستخدام كامل طاقتنا الإقراضية وحشد جميع مستويات شبكة الأمان المالية العالمية، بما في ذلك إن كان استخدام حقوق السحب الخاصة سيعود بنفع أكبر. وبالنسبة لأفقر دولنا الأعضاء، فإننا بحاجة إلى قدر أكبر بكثير من التمويل بالشروط الميسرة. وبينما لم تصل هذه الجائحة بعد إلى ذروتها، فسيتعين على كثير من الاقتصادات زيادة مصروفاتها من المالية العامة بدرجة كبيرة لمعالجة الأزمة الصحية والحد من حالات الإفلاس وفقدان الوظائف، مع مواجهة تزايد احتياجات التمويل الخارجي. لكن زيادة الإقراض قد لا تكون دائما هي الحل الأمثل لكل بلد. فالأزمة في الوقت الحالي تتسبب في زيادة أعباء الديون المرتفعة وقد تجد دول كثيرة نفسها على مسار مديونية لا يمكنها الاستمرار في تحمله. وبالتالي علينا التفكير في مناهج جديدة، بالعمل على نحو وثيق مع المؤسسات الدولية الأخرى، إضافة إلى القطاع الخاص، لمساعدة الدول على تجاوز هذه الأزمة والخروج منها أكثر صلابة. وربما يتعين على الصندوق، مثل دولنا الأعضاء، أن يخوض المخاطر أكثر ويخرج بعيدا عن نطاق الراحة للنظر فيما إذا كانت هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير استثنائية أثناء هذه الأزمة الاستثنائية. حول الاستعداد للتعافي وللمساعدة على وضع أسس التعافي القوي، يتعين أن تتواءم مشورتنا بشأن السياسات مع معطيات الواقع المتطورة. فنحن بحاجة إلى أن نكون أكثر تفهما للتحديات والمخاطر والمفاضلات ذات الطابع المحدد التي تواجه كل بلد وهو في طريقه لاستئناف النشاط الاقتصادي تدريجيا. ومن أهم الأسئلة في هذا الخصوص ما يركز على طول المدة اللازمة للإبقاء على الدفعة التنشيطية الاستثنائية والتدابير غير التقليدية على مستوى السياسات، وكيفية إلغائها تدريجيا؛ والتعامل مع معدلات البطالة المرتفعة وأسعار الفائدة "ذات المستويات الأدنى لفترة أطول"؛ والحفاظ على الاستقرار المالي؛ وإذا استدعت الحاجة، تسهيل التصحيح القطاعي واختبارات قدرة القطاع الخاص على تحمل الديون. وينبغي ألا يفوتنا التحديات طويلة الأمد التي تقتضي استجابة جماعية، مثل إعادة تحفيز التجارة لتكون محرك النمو؛ والمشاركة في منافع التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي التي أثبتت فائدتها أثناء الأزمة؛ ومكافحة آثار تغير المناخ، حيث يمكن كذلك توجيه الدفعة التنشيطية المخصصة لتعزيز التعافي نحو تحقيق اقتصاد أخضر قادر على الصمود في مواجهة تغير المناخ. وأخيرا، لا ينبغي لنا، في عالم ما بعد «كوفيد - 19» الجديد، أن ننظر إلى التماسك الاجتماعي باعتباره أمرا مسلما به. لذلك لا بد لنا من دعم جهود الدول في ضبط سياساتها الاجتماعية للحد من عدم المساواة، وحماية محدودي الدخل، وتشجيع إتاحة الفرص للجميع. إن هذه لحظة اختبار لإنسانيتنا، ولا بد من استقبالها بالتضامن. ورغم القدر الكبير من عدم اليقين الذي يكتنف شكل مستقبلنا، إلا أننا قادرون كذلك على قبول هذه الأزمة باعتبارها فرصة كي نرسم معا خطوط مستقبل مختلف وأفضل.
مشاركة :