دفع الحنين إلى الماضي وذكريات الأجداد عددا من أهالي محافظة الأحساء إلى العودة مجددا لبناء بيوت الطين واستخدام جذوع النخيل في الأسقف وكذا أخشاب الشندل، واستثمار ما تتميز به المحافظة من زخارف طبيعية مأخوذة من النخلة وشجر الرمان والتين التي تمثل إرثا ثقافيا، وهو ما أشاد به كثير من المختصين.مبان استثنائية الصمود أمام تغيرات الظروف من وقت لآخرقال الباحث في الآثار ومدير عام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالأحساء «سابقا» خالد الفريدة: العودة للتراث العمراني في منازل الأحساء جاءت لأسباب مهمة منها شعور الناس بجمال هذا التراث العمراني الأصيل وطبيعته، فهو محبب وقريب للناس وهو يناسب عاداتنا وتقاليدنا وكذلك الأجواء في محافظة الأحساء وبالتالي أصبح محببا كثيرا خاصة في الفترة الحالية.جذوع النخلوقال الفريدة إن الجميل في طبيعة محافظة الأحساء أنها متنوعة وتحوي أدوارا حضارية وتاريخية مهمة أصبحت متنوعة بها خاصة طرازاتها المعمارية الأصيلة، وبطبيعة الحال هي إرث لهذه الحضارة المتكررة على المنطقة، بالإضافة إلى إبداع الإنسان الأحسائي في ذلك من خلال الاكتشاف وصولا إلى الشيء المهم الذي يتناسب معه، ومن ذلك استخدام الإنسان الأحسائي في البناء جذوع النخل في الأسقف واستخدام بعض أخشاب الشندل في البناء لمعرفته أنها هي التي تدوم لتحملها القوي، لذلك بدأنا نشعر بالماضي الجميل والراحة النفسية وما تتميز به محافظة الأحساء كالزخارف الطبيعية المأخوذة من النخلة وشجرة الرمان وشجرة التين فهي إرث ثقافي جعل الناس تعود إليها.استخدام واستدامةوقال رئيس فرع جمعية علوم العمران بالأحساء م. عبدالله الشايب: يعتبر الطين مادة خام طبيعية قابلة للاستدامة مع الوقاية وإعادة الاستخدام مما يجعلها مادة غير ناضبة لو تم الحفاظ عليها، والأحساء أول استيطان بشري في التاريخ عند الاستقرار وبناء المسكن الأولي من السعف والقش والطين ومنها تطور عبر التاريخ المسكن ذو الفناء أو البراحة أو الحوي وتطورت معه تقنيات البناء لكن ظل الطين بالحوائط الحاملة هو سيد التقنية، وكان يستخدم بخلطه بالتبن لتماسكه ويشمس على شكل لبن وهناك طريقة البناء المباشر بالمداميك أو ما يسمى بناء العروق، وعمل تخمير الطين بالتبن الذي يستغرق أكثر من 20 يوما في طقوس عملية.فضاء داخليوإذا كان لبيوت شيوخ البلد ما يسمى دروازة ثم الساباط المكسور حرصا على عدم انكشاف البراحة ومنه إلى هذا الفضاء الداخلي الرحب الذي تصمم جهته الغربية متعامدة مع جهة القبلة، وأغلب المساكن لها رواق من جهة البراحة الجنوبية للاستفادة من الظل، فيما يجري ببيوت الموسرين عمل رواق حول جهات البراحة الأربع، وعادة كمراته تأخذ شكلا نصف دائري أو مدبب والأروقة تقع عليها أبواب اللواوين أو الحجر المختلفة وبينهما الدرج الذي يقود للسطوح أو الدور الأول.بورقة الظلومن مفردات المسكن الموقد وليوان الجازة «المونة» والكندوج والجصة للتمر والمجلس ومربعة النوم والمصبح في الدور الأول، ومعظم البيوت تشمل الحوش أو زريبة البهائم ويكون بها بورقة للظل، وقد استخدمت بالأسقف جذوع النخل أو خشب الشندل مع الباسشير الجميل.وكانت نجارة الأبواب الراقية بالزخارف والنحت عليها مثل باب أبو المسامير وعادة يكون بيت الخلاء مجاورا للزريبة، وبالطبع كانت مادة الجص أساسية لتكسية الجدران الطينية ومنها أيضا عمل النقوش أو الزخارف الأحسائية في إبداع رائع.ومع تحسن الحالة الاقتصادية والمعيشة بالمملكة والتأثر بنمط الحياة الحديثة وتخطيط المناطق الجديدة وأنظمة البلديات للبناء تحول الناس أولا إلى ما سمي البناء العربي واستخدام المرابيع الخشب، ثم إلى البناء المسلح والتصاميم الحديثة التي ما زالت سائدة، مع حرصنا على التوعية فيما يتعلق بالتراث العمراني والاجتهادات التي تمت لتعلن اليونسكو الأحساء في قائمة التراث العالمي، وقد أدى ذلك لنمو ما يتعلق بإحساس الهوية ومراجعة النفس للزمن الماضي والذكريات، وأدى هذا بالطبع إلى استشعار الانتماء للأرض مع توافر إمكانات التنفيذ عبر مؤسسات متخصصة ومعظم من يقومون بالبناء بالطين يوثقونها أيضا ويعرضون فيها مقتنيات تراثية.أبنية خضراءوتشكل محافظة الأحساء في بعدها الجغرافي الهوية الوطنية في تعدديتها الجميلة بموروث الجغرافيات المختلفة، من هنا فإن تشجيع استخدام الطين المشمس أو المشوي الذي يسمى الطوب يظل كترميز للهوية يوافق الدعوات للأبنية المستدامة والدعوات لما يعرف بالأبنية الخضراء وتقليل استخدام الخرسانات والحديد ما أمكن ذلك انسجاما مع رؤية المملكة 2030.استثنائية الصمودوأوضح المعماري م. سامي الحداد: تكون النسيج العمراني والمعماري التقليدي بمحافظة الأحساء عبر عدة قرون زمنية، تراكمت خلالها سببية ظهور هذا النسيج من خلال قرارات عمرانية ومعمارية، شكلتها الظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وخلال هذا التشكيل الذي قاده المجتمع لتنفيذ بيوت استثنائية الصمود أمام تغيرات الظروف التي تتفاوت من وقت الى آخر، مما أدى إلى تعميق نشوء مفرداتها الحضرية والعمرانية والمعمارية.والمتمرس في قراءة التكوين المعماري للبيوت الأحسائية، يجد أنها تمتاز بلغة واضحة من خلال الشكل الموحد في مواد البناء، وكذلك فردية مفردات العمارة التي شكلت البيوت في جميع التجمعات العمرانية في محافظة الأحساء، وهي مصطلحات معمارية متفاوتة تحمل في طياتها رمزية الوظيفة والاستخدام، ويتميز المسكن الأحسائي ببناء وفق أحتياج الأسرة واستيعابه للمتغيرات الاجتماعية، مما يجعله متغير التكوين في إضافات أو دمج بعض الاستخدامات.ذاكرة المجتمعوالمسكن في الأحساء دقيق وفريد التكوين فتجده متباينا معماريا وعمرانيا بين الهفوف والمبرز والمدن المجاورة والقرى عبر التاريخ، يؤثر في ذلك مستوى الدخل وطبيعة الأنشطة التي حوله، ولا شك أن المسكن التقليدي يبقى في ذاكرة أفراد المجتمع وخاصة الذين عاشوا في هذه البيوت تربطهم بها ذاكرة عاطفية يتأصل من خلالها الترابط الاجتماعي الذي جسد بنية المجتمع الأحسائي، وكذلك ذاكرة مكانية من خلال التشكيل الفراغي المرتبط بالحركة الاجتماعية والاقتصادية.مواد خاموقال المهتم بتاريخ الآثار والقصص التاريخية م. محمد الشيخ: عاش الإنسان في الأحساء منذ بدء التاريخ مستعينا بما تمده له الطبيعة الوفية من خيرات وأدوات، واستطاع الأحسائي أن يبني له بيتا من مكونات الطبيعة يقيه من عواصف الرياح وحر شمس الصيف.ومع مرور الزمن تحول من بيت الفلاح في وسط غابات النخيل إلى عمارات من طابقين وأكثر في أحياء الهفوف الراقية، مزخرفة بفنون الأقواس والعقد.وذكر المختص بالمباني الأثرية سعيد الجبران: أن من أهم الأمور التي تظهر عناصر البناء القديم هو عمل المخطط للبيوت القديمة وذلك بالتعاون مع مكاتب هندسية متخصصة ولها خبرة في البناء القديم، ومن أهم الأمور بعد الانتهاء من المخطط أن يتعاقد صاحب المشروع مع مقاول مختص في المجال التراثي، وهذا الأمر في غاية الأهمية لأن الخبرة تلعب دورا كبيرا لإظهار العمل بالشكل المطلوب، موضحا أن مدة البناء تتراوح ما بين 3 و10 شهور حسب حجم العمل ووفرة المواد المستخدمة من قص الجذوع واستيراد الشندل وقلع الصخور المطلوبة وكذلك عدد الأدوار.
مشاركة :