د. خالد عبدالعال أحمد يكتب: من سلبيات الصيام

  • 4/27/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عَني الإسلام بمطالب الجسد والروح وقرن بين مطالبهما، ومنع طغيان أحدهما على الآخر حتي يستطيعا أداء الرسالة على أكمل وجه، فليس في الإسلام رهبانية وعزوف عن الحياة ومتعها وإعراض عن الأكل والشرب، وليس فيه مادية حيوانية قائمة على تصيد الشهوات واتباع الأهواء، «وقد جاء الشرع الحكيم بما يوافق الطبيعة الإنسانية ويتمشى مع أحوالها الكونية، ففرض الله على الإنسان صوم شهر من كل سنة.جاء الشرع الحكيم بكل ما يلائم الحياتين الدنيوية والأخروية، وبما يتمشى مع  كل زمان ومع أهل كل قطر على وفق مرادهم، يفقه ذلك من أحاط بالفقه الإسلامي وما فيه من اختلاف آراء الأئمة توسعةً ورحمةً بالأمة.وقد فرض الله تعالى الصوم على بني الإنسان دون الملائكة والحيوان الأعجمي لحاجة بني الإنسان إليه، فالملائكة معلوم أمرهم من أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا أمعاء لهم .وعلماء الطب قالوا إنه لابد للمعدة من أن تستريح مدة ....ومن لم يصم تأتي عليه أزمنة تضطره إلي ترك الأكل والشرب حتى تأخذ المعدة واجبها».( ) وقد جاء الأمر من الله تعالى بالاعتدال في الأكل والشرب والنهي عن الإسراف فيهما، قال تعالى:   وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. [الأعراف 31]قال سيدنا علي - رضى الله عنه -  عن قوله تعالى:  وَكُلُوا وَاشْرَبُوا: «جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا».( )وقد بين النبي  هذا المعنى بيانا شافيا كافيا يغني عن كلام الأطباء، فعن المقدام بن معدي كرب - رضى الله عنه - قال سمعت رسول الله   - يقول: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).( )فشر ما يملأ من الأوعية هو البطن، فإن كان الإنسان يريد أن يأكل ويتلذذ بالطيبات ... قال: فثلث لطعامه ....الخ، فإياك أن تملأ بطنك حتي لا تستطيع أن تتنفس وتصاب بالتخمة، فأكثر ما يصيب الناس من أمراض بل يقتلهم هو كثرة الأكل.قال ابن رجب - رحمه الله -: «هذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب ابن خيثمة قال : لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت دكاكين الصيادلة».( ) وذلك لأن أصل كل داء التخمة وهي تأتي من الافراط في المأكل والمشرب.قال الحارث بن كندة طبيب العرب: «الحمية رأس الدواء والبطنة رأس الداء»، وقال الإمام الغزالي  - رحمه الله - : «ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال : ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا»، ففي تقليل الطعام منافع جمة للجسم وفوائد عديدة. قال القرطبي : «لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة».( ) ففي الصيام صحة للأبدان كما جاء في الحديث: «صوموا تصحوا».( ) فالشبع وإن كان مباحا إلا أن له حدا ينتهي إليه، فإن زاد على ذلك فهو سرف، فإن أثقل المعدة وثبط صاحبه عن القيام للعبادة وأفضى إلى البطر والأشر والنوم والكسل فإنه منهي عنه.( )فأعظم المهلكات لابن آدم شهوة البطن، فبها أخرج آدم عليه السلام وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار، إذ نهيا عن الشجرة فغلبتهما شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما ..تقول السيدة عائشة- رضى الله عنها  -: «أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  - الشبع . إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا».( )فالإفراط في الأكل والشبع من الطعام حتى وإن كان حلالا صافيا باب من أبواب الشيطان ينفذ منه إلى قلب ابن آدم، ذلك لأن «الشبع يقوي الشهوات، والشهوات أسلحة الشيطان. وقد روي أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا - عليهما السلام - فرأى عليه معاليق من كل شئ، فقال له: يا إبليس ما هذه المعاليق؟ قال: هذه الشهوات التي أصبت بها ابن آدم، فقال: فهل لي فيها من شئ؟ قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وعن الذكر، فقال: فهل غير ذلك؟ قال: لا، قال: لله علي أن لا أملأ بطني من الطعام أبدًا. فقال له إبليس: ولله علي أن لا أنصح مسلما أبدا.ويقال في كثرة الأكل ست خصال مذمومة؛ أولها: أن يذهب خوف الله من قلبه. الثاني: أن يذهب رحمة الخلق من قلبه، لأنه يظن أنهم كلهم شباع. والثالث: أنه يثقل عن الطاعة. والرابع: أنه إذا سمع كلام الحكمة لا يجد له رقة. الخامس: أنه إذا تكلم بالموعظة والحكمة لا يقع في قلوب الناس. والسادس: أنه يهيج فيه الأمراض».( ) فالإفراط في الطعام والشراب وكثرة الأكل تمرض الإنسان عاجلا أو آجلا وتذهب فطنته، فكما قيل: البطنة تذهب الفطنة، وقد جاء في الأثر: نحن قوم لا نأكل حتي نجوع وإذا أكلنا لا نشبع. وقد نظر رسول  إلى رجل سمين البطن فأومأ إلى بطنه بأصبعه وقال: (لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك ).( ) أي لو قدمته لآخرتك وآثرت به غيرك.وعن الحسن قال: «والله لقد أدركت أقواما كان الرجل منهم يمسى وعنده من الطعام ما يكفيه ولو شاء لأكله فيقول : والله لا أجعل هذا كله لبطني حتي أجعل بعضه لله».( ) وقد رأى سيدنا عمر - رضي الله عنه - رجلا قد سمن بطنه، فقال له: ما هذا؟ يعيقك عن العمل ويضر بدنك.فكثرة الأكل تمرض البدن، والمرض يمنع من العبادات ويشوش القلب، ويمنع من الذكر والفكر، وينغص العيش، وفي الاعتدال في الأكل والشرب ما يمنع ذلك كله. والإفراط في الأكل والشبع منه يورث البلادة ويقسي القلب، لذا كانت وصية لقمان لابنه بقوله: «يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة»، فجلاء قسوة القلب يدرك بخلاء البطن وعدم الإفراط في الأكل وهو حاصل بالصوم، فما أعظم فوائد الصوم وما أكثر بركاته على النوع الإنساني ففيه  فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين 26].( )«والإفراط في الأكل يورث الغفلة عن الله تعالى والبطر والأشر، ولا تنكسر النفس ولا تذل بشئ كما تذل بالجوع، فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضعفت منتها وضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها، وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء تأخرت عنها، وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره، وإنما سعادته في أن يكون دائما مشاهدا نفسه بعين الذل والعجز، ومولاه بعين العز والقدرة والقهر، ولأجل ذلك لما عرضت الدنيا وخزائنها على النبي  قال: (لا بل أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا جعت صبرت وتضرعت وإذا شبعت شكرت).( ) ومن تعود قلة الأكل كفاه من المال قدر يسير، والذي تعود الشبع صار بطنه غريما ملازما له آخذا بمخنقه في كل يوم، فيقول ماذا تأكل اليوم فيحتاج إلى أن يدخل المداخل فيكتسب من الحرام فيعصي أو من الحلال فيذل، وربما يحتاج إلى أن يمد أعين الطمع إلى الناس وهو غاية الذل. فسبب هلاك الناس حرصهم على الدنيا، وسبب حرصهم على الدنيا البطن والفرج، وسبب شهوة الفرج شهوة البطن . فهناك علاقة وثيقة بين الإفراط في الطعام وكثرة الأكل وبين العبادة، فالإنسان الذي يكثر الأكل في الليل من الصعب أن يقوم آخر الليل للعبادة، حيث يثقل نومه فيصعب عليه القيام، فعلى الإنسان أن يخفف الأكل بأن يكون معتدلا، لا أن يهلك نفسه وأن يجعل نصب عينيه هذه الآية: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. [الأعراف 31]وما يفعله المسلمون الآن وخاصة في شهر رمضان من الإفراط في الطعام والشراب وتلف الكثير منه، وإهدار للمال فهو امتهان للنعمة، وكما قيل إن النعمة إذا امتهنت سألت ربها أن يكرمها وإذا أكرمها غلا ثمنها وارتفع، وإذا غلا ثمنها وجدت أكثر الناس عاجزين عن الحصول عليها، وهو مخالف أيضا لهديه .

مشاركة :