الريادة والإبداع في ظل جائحة كورونا وما بعدها(1)

  • 4/28/2020
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لا ريب أن جائحة كورونا كغيرها من الأزمات والتحديات الإنسانية, مثلما هي محنة ومأساة إنسانية كبيرة, تحمل في طياتها فرصا جديدة للريادة والابتكار والإبداع, لا يدركها إلا المبادرون الذين يستلهمون ويصنعون الفرص وسط ركام الأزمات, وينظرون إلى المستقبل بعين الثقة والاقتدار, وها نحن نتابع الأعمال الريادية والمبادرات العالمية الخلاقة الهادفة إلى التخفيف من وطأة آثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية، حتى أمكن القول إن الجائحة على الرغم من كل تداعياتها الخطيرة تؤسس لنظام بيئي عالمي حافز لاستنبات الأفكار الريادية الابتكارية التي تساعد الدول والشعوب, ليس على التصدي لنتائجها فحسب, بل تحصين الجيل الحالي والأجيال القادمة من الأزمات والأوبئة التي يمكن أن تعصف بالعالم مستقبلا, وذلك عبر إطلاق المبادرات والأفكار الخلاقة وتحويلها إلى فرص عمل جديدة واعدة ومبتكرة، تستند إلى رأس المال الفكري المفعم بالروح الايجابية الطموحة, والتي تعبر عنها مناقشات وحوارات العلماء والمتخصصين في الجامعات ومراكز البحوث المختلفة والمتواصلة, بما يسهم في دفع عجلة البحث العلمي، والإنجازات الطبية والعلوم الطبيعية والتكنولوجية. ولم يقتصر ذلك على هذه الشريحة المتخصصة, بل امتد إلى مبادرات الشباب -وخاصة شباب الأعمال- التي تقود قاطرة النهوض في المشروعات الصغيرة والمتوسطة الجريئة التي تستند على الإبداع والابتكار, وخلق المزايا التنافسية واختراق الأسواق, وبالتالي خلق القيمة المضافة, وتعزيز الاستقرار المعنوي والاقتصادي والاجتماعي في بلدانها, في ظرف أحوج ما يكون فيه العالم إلى ذلك الاستقرار. والأمثلة على ما نقول عديدة منها: ما تم إعلانه في الثالث والعشرين من شهر أبريل 2020م بمملكة البحرين من إطلاق أول مركز لوجستي ذكي للأدوية والأغذية في مملكة البحرين ليخدم السوق الخليجية بما يقود إلى ضمان التوزيع السريع والفعال للأغذية والأدوية التي تزداد الحاجة إليها في المنطقة، عبر تقليص الزمن المطلوب لإنجاز معاملات التوريد والنقل والمعاملات الإدارية المرتبطة بذلك، حيث سيكون أول مركز ذكي في منطقة الشرق الأوسط يعمل على دمج نظام التعقب عبر منصة تستخدم تكنولوجيا سلاسل الكتل الرقمية «البلوكتشين», مع تقنيات تتبع وتعقب «Track and Trace» وأنظمة الاستشعار المرتبطة بإنترنت الأشياء، وتقنية «SmartPass» وما تتيحه من عقود ذكية، وتخليص سريع للمعاملات الحكومية، إلى جانب التكنولوجيا المالية «الفينتيك» لسلاسل إمداد التمويل والمدفوعات العابرة للحدود. كما يؤدي المشروع إلى تيسير عملية التوزيع للمخزون من الأغذية والأدوية والأدوات الطبية المبردة وغير المبردة في سوق مملكة البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي. وتنبع أهمية المشروع ورياديته من أن الظرف الراهن الناجم عن تداعيات جائحة كورونا قد عقّد عمليات التوريد والإمداد والشحن للمواد الغذائية والأدوية فجاء هذا المشروع ليسهم في التخفيف من ذلك, ونتمنى لشركة «إم في سي جلوبال» مزود المنصات الإلكترونية, ومجموعة «كوكس لوجستيكس»، وهي مزود خدمات لوجستية, نجاح هذا المشروع وأن يكون نقطة انطلاق ليشمل جميع السلع والخدمات المستوردة في مرحلته الثانية خدمة للنشاط التجاري في دول مجلس التعاون الخليجي. ومثلت ظروف جائحة كورونا فرصة مناسبة للتوسع في استخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي في المستشفيات لتقديم الخدمات للمرضى، وإجراء الفحوصات عليهم, كما هو الحال في مركز بروفيدانس الطبي الأمريكي، فيما وسعت بعض الدول استخدام الروبوتات لتشمل مراقبة الشوارع خلال الحجر الصحي. وفي ألمانيا تم تطوير تطبيق إلكتروني يتتبع المرضى، ويحذر المحيطين بهم, فيما كانت الحاجة إلى أجهزة التنفس (التي تعد أساسية في معالجة المصابين بفيروس كورونا) قد دفعت الدول ومراكز البحوث إلى محاولة إيجاد سبل أقل كلفة وأسرع لبناء الأجهزة، فقد تمكنت كلية لندن الجامعية من تطوير جهاز تنفس يستغرق بناؤه أربعة أيام فقط, فيما تمكن فريق هندسي وطبي من كليتي الهندسة والطب بجامعة البصرة في العراق من تطوير وإنتاج جهاز التنفس بمختبرات الجامعة, بحيث يستخدم الجهاز لشخصين في نفس الوقت وبكفاءة وأمان عاليين, بكلفة ألفي دولار للجهاز, وبالاعتماد على المدخلات المحلية بنسبة 100%, علما بأن سعره حاليا في الأسواق العالمية يتجاوز عشرين ألف دولار. فيما قام فريق من أساتذة وطلبة كلية الصيدلة في الجامعة ذاتها بإنتاج وتطوير مجموعة من المعقمات وسوائل الغسيل الصحية بالاعتماد التام على المدخلات المحلية وبكلف بسيطة جدا, وإتاحتها للشركات الوطنية للإنتاج التجاري, وعموما فإن المبادرات الريادية والمشروعات الابتكارية أضحت تقود مستقبل الاقتصاد المُستدام فانعكس ذلك في اهتمام الحكومات والمستثمرين والشباب فضلا عن قطاعي الأعمال الخاص والحكومي, واتسعت دائرة الجهات الداعمة، وانتشرت حاضنات الأعمال, ومسرعات النمو, وتطورت آليات الاستثمار في المشاريع الناشئة، وكان ذلك مواكبا للتطورات التقنية الناجمة عن الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم, لا بل بدا كأنه أحد معالمها البارزة, وجاءت تداعيات جائحة كورونا لتعزز من مكانتها, ولتؤكد أنها الوسيلة الأهم التي ستقود عملية تغيير أنماط المشروعات التقليدية في مرحلة كورونا وما بعدها, ولا سيما أنها ستكون مصدرا حيويا ملهما للإبداع في صناعة فرص جديدة للاستثمار, وتبني مسارات جديدة لتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والتنمية المستدامة. وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله. ‭{‬ أكاديمي وخبير اقتصادي

مشاركة :