بدءا لا بد من القول إن القطاع العقاري يمثل البنية التحتية الرئيسة للقطاعات الاقتصادية المختلفة من جانب، ومن جانب آخر يمثل جزءا مهمًّا من الأمن والاستقرار الاجتماعي، وحيث ان جائحة كورونا تركت آثارا سلبية على مجمل الاقتصادات الوطنية في العالم، باستثناء بعض القطاعات التي يدخل الطلب عليها في إطار الإجراءات الاحترازية للوقاية من الجائحة، فقد واجه القطاع العقاري تحديا كبيرا لكنه متباين وفقا للفروع التي يتكون منها القطاع، ووفقا لطبيعة استخدام الوحدات العقارية، فقد شهد الاستثمار العقاري الجديد تراجعا ملحوظا في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بينما شهد بيع الأراضي الخام ركودا، وانخفاضا في الأسعار في اغلب دول مجلس التعاون الخليجي خلال الأشهر من مارس حتى مايو2020. وهو أمر طبيعي حيث غالبا ما يؤجل المستثمرون طلباتهم الى ما بعد انفراج الأزمات. فيما انخفضت إيجارات المحلات التجارية والمكاتب والمباني الاستثمارية بنسبة (20%-40%)، ولم تنخفض إيجارات الوحدات السكنية الا بنسب قليلة تتراوح بين (10% - 20%). كما شهدت الأشهر الماضية حالات عديدة من التخلف في دفع الإيجارات. وتراجعت القيمة الإجمالية للصفقات في أكثر الأسواق العقارية نشاطًا في دول مجلس التعاون الخليجي وتحديدًا في المملكة العربية السعودية وإمارة دبي خلال شهري مارس وأبريل 2020 بنسبة 47.3% على أساس سنوي، في حين انخفض عدد الصفقات العقارية بنسبة 46% على أساس سنوي خلال الفترة ذاتها، وفقا لتقرير شركة كامكو إنفست، المنشور في 12مايو 2020.وعلى صعيد أسعار العقارات السكنية فقد ظلت محافظة على مستواها العام, ففي المملكة العربية السعودية يشير تقرير صادر حديثا عن شركة جدوى للاستثمار إلى ارتفاع أسعار العقارات السكنية بنسبة (2.1%)، بفعل الطلب العالي مقارنة بالعرض المحدود، في حين تراجعت أسعار العقارات التجارية بنسبة (0.5%)، على أساس سنوي بسبب انكماش الاقتصاد بفعل كورونا وتراجع أسعار النفط، واقترن ذلك بتراجع ملحوظ في صناديق الاستثمار العقارية المتداولة «الريتس» خلال شهري أبريل ومايو.وتلعب الحكومة السعودية دورا مهمًّا في تحريك القطاع العقاري الإسكاني عبر برامجها العديدة لدعم المواطنين للحصول على السكن، فبالرغم من تداعيات جائحة كورونا فإن برنامج «سكني» التابع لوزارة الإسكان مستمر في تلبية طلبات المواطنين، حيث من المقرر خلال عام 2020م تلبية طلبات نحو (300) ألف أسرة عبر أكثر من (100) ألف وحدة سكنية متنوعة بالشراكة مع القطاع الخاص، وتوفير (90) ألف قسيمة أرض سكنية. حيث تسعى وزارة الإسكان من خلال البرنامج إلى تمكين الأسر السعودية من امتلاك المسكن الملائم بكل يسر وبشكل أسرع وسعر أقل ضمن خيارات متعددة عن طريق تقديم مجموعة من الخيارات السكنية والتمويلية، سعيا إلى رفع نسبة التملك إلى (70%) من الأسر بحلول 2030 وفقا لأهداف برنامج الإسكان، أحد برامج رؤية المملكة 2030. ولأجل التسهيل على المواطنين فقد أتاحت البوابة الإلكترونية لبرنامج «سكني» خاصية اختيار المخطط السكني المناسب من قبل المستفيدين من الأراضي المجانية وفق رغباتهم واحتياجاتهم إلكترونيا، فقد استفاد نـحو (19.864) أسرة خلال شهر مايو الماضي من مختلف الحلول والخيارات السكنية التي يستمر البرنامج في توفيرها وإتاحة اختيارها وحجزها إلكترونيًا. اما إمارة دبي المعروفة باستثماراتها العقارية الضخمة وتعويلها على المشتري الأجنبي، فأنها تمر بحالة انكماش عقارية مستمرة منذ خمسة أعوام دون أي نهاية تلوح في الأفق، وقد جاءت جائحة كورونا لتزيدها وطأة. ومع تأجيل معرض إكسبو أظهرت نتائج مسح أجرته بينسول ريل استيت للأبحاث العقارية التي تتخذ من دبي مقرا لها أن نحو 28% من مالكي العقارات يتوقعون تراجعا في الأسعار ما بين (5% -10%)، خلال الأشهر الستة المقبلة. ولمواجهة الأوضاع الراهنة لجأ مطورو العقارات فيها إلى تخفيض الأسعار وتقديم تمويل ميسر لجذب المشترين، وقدمت السلطات الحكومية حوافز وقوانين مرنة لإنعاش القطاع العقاري للحد من التحديات التي تواجه القطاع العقاري والتي تتركز في ظل تداعيات جائحة كورونا في ضمان استمرارية تنفيذ المشاريع العقارية، والحصول على عائدات وفقا لما مخطط لها، لاستيفاء دفع القروض المستحقة للبنوك على هذه المشاريع، إضافة إلى رفع قدرة القطاع العقاري خلال الفترة المقبلة على التعافي بأسرع وقت ممكن، من خلال الدعم الحكومي للقطاعات الاقتصادية الأخرى، بما يسهم في استمرار الطلب في السوق وتوفير السيولة المالية، لتمويل الشراء أو الإيجار. بينما إمارة أبوظبي التي تعد اقل توسعا في الاستثمار العقاري من إمارة دبي فقد أدت خطط التحفيز التي أطلقتها الحكومة، وخطة الدعم الاقتصادي للمصرف المركزي، إلى جانب حزمة الحوافز الاقتصادية التي أعفت بموجبها المستثمرين أفرادًا وشركات من رسوم (34) خدمة تسجيل عقاري حتى نهاية العام الجاري 2020, كل هذه العوامل ساهمت في توفير المرونة الكافية ومساعدة سوق العقارات بأبوظبي على الاستجابة للأوضاع الراهنة ومواصلة نموه والحفاظ على زخم تداولاته، فأظهر بعض المؤشرات الإيجابية خلال الربع الأول من عام 2020, مثل الارتفاع السنوي في حجم المبيعات، وتباطؤ وتيرة انخفاض قيمة العقارات في جميع مناطق الإمارة، وارتفاع قيمة التداولات العقارية في أبوظبي بنسبة 34% لتصل إلى (6.3) مليارات درهم في شهر أبريل 2020 مقارنة بما قيمته (4.7) مليارات درهم خلال نفس الفترة من العام الماضي. وفقا لما صرح به السيد أديب العفيفي، المدير التنفيذي لقطاع العقارات في دائرة البلديات والنقل بأبوظبي للصحف المحلية في 22 مايو 2020. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :