منى زيدو تكتب: المرأة والمجتمع والفلسفة

  • 4/29/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرة هي المقولات المأثورة التي قيلت عن المرأة من قِيل الرجل والتي ما زالت متداولة حتى يوما هذا ونرددها باستمرار على أنها حِكمة جميلة قيلت بحقنا، وكم نفتخر بهذه المقولات ونرددها دائمًا أو نكتبها في صدر دفاتر ذكرياتنا حتى يصل الأمر بنا ونصدقها ونصدق قائلها بنفس الوقت. لكن تبقى الحقيقة مخفية ومتوارية خلف تلك المقولات التي لا تتعدى حبوب المسكنات التي لا تشفي المريض من الداء العضال الذي يصيبه. المشكلة التي نعاني منها نحن معشر النساء أنه ما زلنا نركض ونواسي أنفسنا بتلك المقولات من دون أن نبحث عن أسبابها وقائلها والهدف منها؟ وهل حقًا نحن كذلك أم أنَّه يريدوننا أن نقتنع بأن هذه المقولات كافية بأن نقبل الواقع المفروض علينا كأنه قدرٌ وعلينا قبوله حتى يحين أمر الله.المرأة نصف المجتمع، ولا حياة بدون المرأة، المرأة هي الحياة وكذلك الجنة تحت أقدام الأمهات ورفقًا بالقوارير.... الخ، من مقولات منسوبة للكثير من الشخوص من مختلف التيارات الدينية والعلمانية، ولكن بالنظر إلى تقربات كِلا الطرفين نراهما لا يختلفون أبدًا من حيث التقربات والجوهر عن بعضهما البعض بتاتًا. ففي العالم الذي نعيشه والفوضى التي تنتشر فيه كالنار في الهشيم لم نعد نفرق ما بين العلماني والمتدين من حيث نظرتهما للمرأة والمجتمع على حدٍ سواء.العلماني والليبرالي والذي يرى نفسه تقدميًا نراه يناصر قضية المرأة ويتكلم عن حقوقها ويجب أن تكون مثلًا يُحتذى به، وغير مقتنع بالحجاب ولا بالنقاب على أساس أن المرأة حرة فيما ترتديه. ولكن عمليًا تقرباته لا تتعدى الناحية النظرية وأنه ينظر للمرأة على أنها سلعة يتمتع بها وبالنظر إليها لا أكثر ولها بعض الحقوق التي يمنحها هو فقط لها، وإن طالبت أكثر حينها ستتحول علمانيته إلى استهزاء واستصغار وتقزيم لمكانتها. وهذا ما نراه في معظم احزابنا اليسارية والليبرالية منها على حدٍ سواء. فهي لن تكون رئيسة الحزب مهما علا شأنها ولن تكون المسؤول الأول مهما كانت نشيطة، بل لن تتعدى أن تكون المشكاة التي يعلق عليها نجاحاته فقط.أما المتدين والذي يرى نفسه ملتزمًا ويتحفك بالأحاديث وبالآيات التي منحت المرأة حريتها وحقوقها وهو مقتنع بالحجاب وكذلك بعض الأحيان بالنقاب على أساس أنَّ المرأة هي مُلكٌ للرجل وملزمة بتنفيذ ما يطلبه منها. وهذا المتدين أيضًا ينظر للمرأة على أنها ملكه الخاص وهي متاع له يحرثها أنَّما شاء، ولا تستطيع رفض طلبه متى ما أراد هو، وإلا لعنة الله ستحل عليها. وطبعًا، لا يجوز للمرأة أن تكون الحاكم أو الرئيس لأنها وفق تصوره هي ناقصة عقل ودين وعاطفية أكثر من اللازم وكذلك مخلوقة من ضلع أعوج، وهذا الضلع لن يستقم ما دام الرجل موجود.نرى الأطراف المتشددة للطرفين أيضًا في واقعنا الذي نعيشه وكيف يتقربون من المرأة وخاصة أنها مادة جنسية عند الطرفين من دون خلاف. فيتم استغلالها لبيع السلع والمنتوجات وذلك عبر الإعلانات وكلما باعت السلع زادت قيمتها وربحها، أو أنها سبية تباع في سوق النخاسة أو أن القتيل منه تنتظره أربعون حورية.ما بين هذه التقربات جميعها هناك التقربات الوسطية والتي صوتها غير مسموع تقريبًا ومنعزلة على نفسها هربًا من الواقع التي تراه أو تعيشه. وبين هذه التقربات جميعها نكاد لا نسمع ولا نرى صوت المرأة بتاتًا وكأنه تم اختزاله بالمرأة المطيعة في كِلا التقربين.المشكلة هي أننا نحن النساء من نشجع على هذه التقربات ونشرعنها وذلك من خلال قبولنا بهذه الواقف على أنها هي الحقيقة وكذلك الواقع الذي ينبغي علينا قبوله ولو على مضض. ولكن الاستمرار بهذه الأفكار ما هو إلا كالذي يحفر قبره بيده ولن تفيدنا البكائيات التي نئن تحت وطأتها مهما طال الزمن. فإن كانت هذه حال المرأة فحينها ينبغي أن نعلم أن المجتمع لن يكون حاله أفضل مما نعيشه. لأن المجتمع بحد ذاته ما هو إلا منتوج مباشر لحقيقة المرأة ومستوى وعيها وإدراكها لذاتها. وهي علاقة طردية وتكاملية. إذ، كلما كانت المرأة مدركة لحقيقتها كلما انعكس ذلك على المجتمع والعكس صحيح بنفس الوقت، كلما كانت المرأة جاهلة لحالتها ووعيها كلما كان المجتمع متخلف يئن تحت الكثير من الأمراض الاجتماعية والثقافية.هنا ينبغي على المرأة أن تعالج نفسها بالفلسفة التي هي أم العلوم وأساسها. فكيف أن الفلسفة تبدأ بالسؤال والاستفسار، كذلك ينبغي على المرأة أن تبدأ بسؤال ذاتها عن الحالة المتردية التي تعيشها عن السبب في ذلك. من هي المرأة وما هو المطلوب منها وما هي عناصر قوتها وكيف تعيش وما العمل للخروج من هذه الحالة؟ مئات بل آلاف الأسئلة التي ينبغي على المرأة أن تسألها لنفسها وتجيب عنها. حينها يمكن أن تخرج المرأة من الحالة التي تعيشها وتبني المجتمع الحر الذي ننشده.

مشاركة :