لا صوت للكاتب الجزائري ما لم تشرق عليه شمس العاصمة

  • 4/30/2020
  • 00:00
  • 53
  • 0
  • 0
news-picture

رضا ديداني من بين شعراء يعرفون في الجزائر بشعراء الهامش، برز في أواخر الثمانينات وبدايات التسعينات رفقة كوكبة أخرى حاولت أن تنفك من أسر نصوص قيدت الحرية والإبداع، لكنهم اصطدموا بواقع مخالف خاصة ما خلفته العشرية السوداء والمتطرفون ومن بعدها ما ارتكبته السلطة ومثقفوها. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الشاعر. احتكر اتحاد الكتاب الجزائريين لفترات طويلة المجال الثقافي خاصة منذ الاستقلال، حيث لم يسمح لأي تنظيم ثقافي حرّ التواجد إلى أن جاءت فترة التسعينات. فترة التسعينات كانت كما يقول الشاعر رضا ديداني، وهو أحد أهم شعراء الحداثة في الجزائر وأحد الناشطين ضمن نادي الإبداع الأدبي، “فترة مناسبة لنا، انطلقنا من مجموعة عوامل دفعتنا إلى التواجد. أبرزها الوضع السياسي الذي انفتح على حرية تأسيس الجمعيات الثقافية والسياسية، إضافة إلى انتعاش سوق الكتاب وتواجد المجلات العربية وغيرها، مما ولد بيننا ضرورة خلق فضاءات أخرى بعيدا عن الرأي الواحد والتوجه الواحد”. بين مد وجزر العامل الأساسي الآخر الذي يضيف لهذه الحركية كما يقول الشاعر هو “خلق مجموعة مرجعها وهدفها الوحيد التعبير الحر دون واسطة، والهاجس الوحيد هو الكتابة والنشاط الثقافي والتنافس بيننا. ورغم الصعوبات إلا أننا اعتمدنا على أنفسنا دون دعم مادي ومورد يساعدنا في تحقيق أهداف جمعية فـ’نادي الإبداع الأدبي’ الذي كان يرأسه آنذاك الشاعر عبدالناصر خلاف وكنت نائبا له، ضم العديد من الأسماء التي أصبحت مرجعا ونموذجا وتاريخا طويلا للكتابة الإبداعية الأدبية في الجزائر، وبفضل هذا النشاط أسسنا العشرات من الملتقيات واحتضنا الكثير من الأسماء الأدبية الجزائرية، ما زالت إلى الآن تدين للجمعية وتعترف لها بالدور الذي لعبته في بروزها”. يرى الشاعر ديداني أن فترة التسعينات التي مرت على الجزائر كان لها أيضا الوجه القبيح، ويقصد به عشرية الدم والإرهاب، يقول “أثرت على الحركة الأدبية، ورغم ذلك بقينا حتى نهاية هذه العشرية، رفعنا التحدي وكنا نموذجا وتركنا أثرا وأسماء تحمل لواء الإبداع الآن في الجزائر بفضل هذه الحلقة التي وجب العودة إليها واستعادتها، وتوفير شروط جديدة تتكيف مع الراهن الحالي، وبعث قوانين تساير ما وصل إليه الفعل الثقافي كتأثير عالم الاتصال والإنترنت في المنتوج الثقافي والحركية في هذا المجال”. ويضيف “لقد تركت الأجيال السابقة (الثمانيات والتسعينات) إرثا ثقافيا غنيا يمكن استغلاله في بعث طاقات إبداعية وتوظيف قدراتها في بناء رؤية حداثية بعيدا عن النمطية والجاهز الذي وسم الثقافة في الجزائر. فالعديد من الأسماء الأدبية خاصة تلك التي لم تنخرط في مؤسسات الدولة أو الجمعيات الريعية أو في اتحاد الكتاب لم يكن همها سوى تمثيل المنتوج الثقافي الإبداعي الحقيقي لا ذلك المرتبط بما تمليه عليه السلطة”. في رأي الشاعر ديداني إن “الشعرية في الجزائر بعد تأميم المنصات، أصبحت حكرا على أسماء محدودة ارتبطت بالمؤسسات الثقافية، وأصبحت تتصيد المناسبات للتقرب من السلطة وتقدم الشعر كجزء من الخطاب السياسي السائد دون احترام قيم الشعرية أو الذائقة الأدبية فيه، لذلك تراجع الكثير من الشعراء الحقيقيين الذي صمتوا رغم المحاولات الفردية، وهي محاولات يائسة، وبقيت حبيسة الكتب المطبوعة أو في مداخلات تحضرها النخبة التي هي في حد ذاتها رهينة منظومة مفلسة”. من هنا يقول “النص الفارق وقع في فخ، وردمت معالمه رغم التراكم الكبير، والمنجزات المتعددة خاصة ذلك الذي أسسناه خلال فترة التسعينات وحتى في بداية الألفية”، بالإضافة إلى هذه العوامل ثمة عوامل أخرى يعتقد الشاعر ديداني أنها أسهمت في تراجع الشعر الجزائري وهو كما يوضح “مهم وأثر على المشهد الحالي هو الإقصاء وعدم الاعتراف، وهو أكيد مرتبط بسياسة هدفها الإطاحة بالصوت المفرد.. بالنص الخلاق الحر”. والأكيد يقول ديداني أن “هناك أسماء تكتب وبشكل ملفت، وأثبتت حضورها في مشهدية الشعر العربي، وتمثل مسارا صحيحا للشعر الجزائري. أسماء كمصطفى دحية ونجيب أنزار، وميلود خيزار، ومحمد سعدي.. إلخ، هذه الأسماء الشعرية سكتت ولاذت بالصمت، وقد كانت أسماء مرجعية في الشعر الجزائري، دون أن أغفل أسماء أخرى تحاول أن تجد طريقا ضمن هذه الفوضى الثقافية، والارتجالية في التسيير الثقافي على المستوى الرسمي، وهو ما جعل من التفاعل والانتباه والإصغاء إلى هؤلاء الشعراء مرادفا للاجدوى التي أرادت السلطة الثقافية غرسها واقتنع بها للأسف الكثير”. المشهد الثقافي عرف المشهد الثقافي في الجزائر انطلاقات واعدة ثم انتكس لظروف كثيرة أرجعها الشاعر ديداني كما يقول إلى “غياب مشروع ثقافي واضح رغم أن هناك من حاول ألا يحمل تبعات الفشل الذي كان يدب في دواليب السلطة خاصة في عدم رهانه الحقيقي على الثقافة، ورغم كل الصعاب تشكلت مجموعات ونخب قادت التغيير وبحثت عن آفاق جديدة للفعل الثقافي، وكان الهدف الرمزي بالإضافة إلى أهداف أخرى هو محاولة قتل الرمزية التي كانت متمثلة في جماعة اتحاد الكتاب، وهي المترجمة لسياسة السلطة آنذاك”. ويضيف “أما في السنوات الأخيرة، فقد ظهرت محاولات وأسماء امتلكت الإرادة إلا أنها اصطدمت بواقع يومي مضن ويأس خاصة مع أن نخبا أخرى ظلت تعمل وتهلل للسلطة وطغى على المشهد الفعل الثقافي المناسباتي المحض، وفقدت الحرية التي هي رديف لهاجس الكتابة الحق، فقدت بريقها اللامع، ووسط كل هذا بقيت تلك المحاولات تقاوم وتجاهد كلاّ حسب طاقاته”. في السنوات الأخيرة ظهرت محاولات وأسماء امتلكت الإرادة إلا أنها اصطدمت بواقع يومي مضن سبب لها اليأس وهو ما انعكس كما يرى في غياب الجزائر على “التمثيل في أغلب المحطات الثقافية العربية المهمة، وغاب مشروع ثقافي وطني مؤسس من طرف المبدع الحر أو على الأقل يكون مساهما فيه ويمكنه أن يتموضع ضمن السياق العربي، وإن وجد فهو ورقة سرية حكرا على مجموعة من الكتاب يمثلون الأغلبية دوما، بينما هناك كتاب الهامش الذين يمثلون النص يركنون في جغرافيا بعيدة عن المركز، وأرادوا لهم أن يكونوا مقصيين من التمثيل الإبداعي الوطني، فالكاتب إن أراد أن يصل إلى أسماع الآخرين عليه أن يسكن العاصمة، أو أن يكون جامعيا محاطا بأصدقاء يروجون له سلعته، وهو ما ولد التعاسة التي أصبحت قوت المبدع اليومي”. يعتقد الشاعر رضا ديداني أن “الحراك إذا كان له مشروع ثقافي وطني فهو أكيد في المسار الصحيح، وإذا طغت حسابات رموزه على العمل السياسي فقط فمصيره خلق بطانة جديدة لا تنتج حراكا فعليا قابلا للعيش مع العولمة والانفتاح الثقافي الذي يشهده العالم، وأذكّر هنا بما تشهده دول الخليج التي أدركت أن للثقافة دورا حيويا في خلق نخبة قوية لها رأيها ولها أدواتها للإنتاج والفعل والحضور الثقافي، لذلك أرى أن على “النخبة أن ترتفع إلى مستوى الرهانات التي تطرحها المرحلة وأن ترسم مشهدها بعيدا عن الخمول والتثاقل على الأقل في المنظور القريب”. ونذكر أن رضا ديداني جامعي ومؤسس جمعية نادي الإبداع الأدبي والفني، وعضو بجمعية الجاحظية، ورئيس بيت الشعر الجزائري لولاية الطارف، وهو من مؤسسي نادي “هايكو” المغرب الكبير الإلكتروني. صدر له في الشعر: هيبة الهامش وغرفة الان، كما له عدد من المخطوطات. وقد أسس العديد من الجمعيات وانخرط في أخرى حاولت هي أيضا أن تنفصل عن السائد في الرؤية الثقافية والإبداعية.

مشاركة :