د.أسامة أمين سيد بدوي يكتب: مظاهر الاحتفال بالأعياد

  • 5/2/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ورحمة الله للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، ذكرت المصادر اللغوية أن أصل العيد من العود، ومع احتمالية أن يكون هذا العود مشتملًا على الأفراح والأتراح، فإن غالب الاستعمال لكلمة العيد قد رجَّح استعماله في الفرح والسرور، ففي حكاية ربنا سبحانه عن قول عيسى عليه السلام: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة:114] ما يشعر بل يؤكد على اشتمال العيد على الفرح والسرور غير المقتصر على فئة أو قبيلة بل الفرح العام للأمة كلها أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها، وقد وازن الإسلام في منهجه بين التقليد والتجديد، فالعيد في الإسلام له معنى ومبنى، أما معناه فهو زادٌ إنساني واجتماعي ونفسي، تتجدد فيه الأفراح، وتتلاقى فيه الأرواح، وأما مبناه فعلى الشرع والآداب والأخلاق الحميدة، حيث تظهر فيه المعادن الطيبة، وتنصهر فيه المساوئ الخبيثة، ولهذا المعنى ارتبطت الأعياد في الإسلام بالعبادات الجليلة كارتباط الروح بالجسد، فعيد الفطر بعبادة الصيام، وعيد الأضحى بعبادة الحج؛ لتؤكد على أن العبادة والسعادة صنوان لا ينفصلان، وأن حاجة الروح وحاجة الجسد توأمان لا يفترقان! قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58]. وفي صحيح البخاري (952) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا». فإن كانت الأعياد ظاهرة اجتماعية مشتركة بين جميع الأديان السماوية والوضعية فإن طبيعتها في الإسلام مميزة، فإنها أرقى من مجرد فرحة عابرة، وأسمى من مجرد نزوة راحلة؛ ذلك لأنها فرحة جماعية وليست فردية، فرحة إيجابية وليست سلبية، فليس الفرد وحده هو المغرّد بالسعادة في صومعة نفسه، بل المجتمع كله يتسابق في رسم البسمة وإحياء الفرحة في قلب كل من حوله، وخذ على ذلك مثالا لتكامل الصورة الإنسانية والنفسية والاجتماعية والروحية في مظاهر الاحتفال الإيجابية بالعيد في الإسلام: 1-الدعوة إلى إخراج زكاة الفطر قبل الخروج إلى مصلى العيد، حتى لا يبقى فقيرا ولا مسكينا ولا يتيما ولا صاحب حاجة إلا ووجد ما يغنيه ويكفيه ويسد حاجته ويحفظ مروءته عن السؤال في هذا اليوم، ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ». وكأن هذه دعوة إلى تذييل كل معوقات السعادة عن الضعفاء والفقراء وأصحاب الحاجات، وتهيئتهم نفسيا وماديا ليتمكن الجميع من الاحتفال بالعيد قلبا وقالبا!. 2-الدعوة إلى خروج الرجال والنساء والأطفال حتى أصحاب الأعذار كالحائض والنفساء وغيرهم يخرجن إلى مصلى العيد، ومن لم تجد جلبابا أعطتها أختها من جلبابها، ففي الصحيحين أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ»، فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ، سَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بِأَبِي، نَعَمْ، وَكَانَتْ لاَ تَذْكُرُهُ إِلَّا قَالَتْ: بِأَبِي، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَخْرُجُ العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ، أَوِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ، وَالحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى»، قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ الحُيَّضُ، فَقَالَتْ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ، وَكَذَا وَكَذَا. وهذا فيه أعلى مراتب الإنسانية في مراعاة مشاعر أصحاب الأعذار في حضور مثل هذا الاحتفال الذي لا يتكرر في العام سوى مرتين!. 3- إعادة الترابط الأسري، والتكامل الاجتماعي من خلال التراحم والتزاور خاصة لمن حال بينه وبين شهود الصلاة حائل، كمرضٍ وعجزٍ وسجنٍ ونحوه، وقضاء حوائجهم فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وكذلك تهنئتهم بالعيد فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. 4-استثمار أيام الأعياد في  إقامة الاجتماعات النافعة كالولائم، والأمسيات، واللقاءات على مستوى الأسرة أو الحي أو المدينة، أو المسابقات الترفيهية، ومشاركة الأطفال في الزيارات العامة للمستشفيات والمصحات النفسية ودور الأيتام ليستشعروا بنعمة الله عليهم، وتنغرس فيهم مشاعر الأُخوة والحب والعطاء، وكذلك السعي في إصلاح ذات البين والصلح بين المتخاصمين وفض الخلافات الزوجية والعائلية، ليسود المجتمع كله مشاعر الحب الصادق والإخاء النقي!.

مشاركة :