جعل الله تعالى الأعياد عودًا للفرح ومدرارًا للسرور، وبابًا للمغفرة ورفع الأجور، حيث لم تقتصر الأعياد على الترف والفرح المشروع، وإنما أيضا تُحصَّل فيها العبادات ذات الأجر الموفور، من هذه العبادات الدائمة التي ترتبط بالأعياد: صلة الأرحام. وتطلق الأرحام: على الأهل والأقارب، وكل من كان بينك وبينهم صلةُ نسبٍ وقرابة، سواء من جهة الأب أو من جهة الأم. ويتسع مفهوم الصلة لتشمل أنواعا عديدة من: البر، والإحسان، والعطاء، والزيارة، والصدقة، والرعاية لذوي الأرحام، كالآباء، والأمهات، والأجداد، والأولاد، وأولاد الأولاد، وإن نزل، ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم، والأعمام، والعمات، وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم. وتتأكد هذه الصلة في حق الفقير قبل الغني، والضعيف قبل القوي، والبعيد قبل القريب، ومن وقعت به ضائقة، أو نالت منه نائبة قبل الموسر. وتتأكد هذه الصلة في أيام الوباء والبلاء قبل أيام الرفاهية والرخاء، وفي ظل هذه النازلة التي ندعوا الله أن يكشفها عن المسلمين تتأكد صلة الأرحام في الأعياد وغيرها، ومن مظاهر هذه الصلة: 1-الدعاء لهم والثناء عليهم: فقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على خاله سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ كما في سنن الترمذي: فقال: هذا خالي فليرني امرؤ خاله. وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم سعد خاله؛لأن سعدا كان من بني زهرة وكانت أم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بني زهرة. كما أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الزبير بن العوام ـ رضي الله عنه ـ وهو ابن عمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال كما في صحيح البخاري: لكل نبي حواري وحواري الزبير. ومعلوم دعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لابن عباس أن يعلمه الله الـتأويل والفقه في الدين .! 2-الوصية بهم: ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: وأهل بيتي، أُذَّكِّرُكم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. وعند الترمذي من حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: من آذى العباس فقد آذاني ، إنما عم الرجل صنو أبيه. 3-دعوتهم إلى شرائع الإسلام ومحاسن الأخلاق: ففي مسند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء:214)، قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا بني كعب بن لؤي، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها. ومعنىسأبلها ببلالها : أي: سأصلها . وفي رواية للبخاري: جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسمي ( يا عباس بن عبد المطلب ، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا .. ) . 4-عيادة مريضهم والدعاء له: وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزور من يمرض منهم ويدعو له ، ففي سنن أبي داود عن عائشة بنت سعد : أن أباها قال: اشتكيت بمكة، فجاءني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعودني ، ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني، ثم قال : اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته. 5-ويدخل في هذا: السؤال عنهم وتفقد أحوالهم والصدقة عليهم والتودد لهم وكل ما فيه إيصال النفع والسلامة لهم، فقد بلغ من أهمية صلة الرحم أن قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، تأكيدا على أنه قد بُعث لأجلها، كما في صحيح مسلم من حديث عمرو بن عبسة ـ رضي الله عنه ـ لما سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : بأي شيء أرسلك الله؟، قال: بكسر الأوثان، وصلة الرحم، وأن يُوحَّد الله لا يُشْرَك به شيئا. ومن ثَمَّ فالأعياد فرصة لصلة الأرحام، والصلة لا تقف على الزيارة بل الأمر فيها واسع، والثواب مضاعف، نسأل الله أن يشملنا بعفوه، ويقبل منا الصيام والقيام، ويرفع عنا الوباء والغلاء، والحمد لله رب العالمين.
مشاركة :