إن من نافلة القول الحديث عن الدور الكبير الذي أداه الوقف في المجتمعات الإسلامية، فمنذ فجر الإسلام، كان الوقف الرافد الأول لتمويل التعليم وخصوصًا التعليم الديني، وحلقات القرآن الكريم، والإنفاق على الرعاية الصحية، وكفالة الأيتام، وإيواء الأرامل والمطلقات، وسوى ذلك من أبواب الخير الكثيرة. حتى أن الغربيين نسجوا على منوال المسلمين، وأصبحت لديهم أوقاف تحقق الأهداف نفسها، واستمر ذلك حتى العصر الحديث، فقرأنا الكثير عن أوقاف تدر المليارات في جامعات أوروبا وأمريكا وسواها.. وإحياءً لهذه السنّة المباركة، وحرصًا على استدامة الدخول المالية والموارد الكبيرة لتمويل مشروعات وبرامج ورعايات هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، حرصت هذه الهيئة المباركة على وضع أسس وقفية راسخة ذات دخول عالية ثابتة تؤمّن لها استقرارًا في التمويل، إضافة إلى ما تجود به نفوس الخيّرين من المانحين والمتبرّعين من أبناء المملكة، فعملت الهيئة على مدى عقود على شراء أراضٍ استثمارية متميّزة معظمها في مكة المكرمة، بجوار الحرم المكي الشريف؛ لتُقام عليها أبراج استثمارية ضخمة، يُنفق من إيراداتها على برامج الهيئة المختلفة، ونجحت في ذلك أيّما نجاح بفضل الله تعالى، ثم بالدعم والتوجيه من رابطة العالم الإسلامي بقيادة معالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس مجلس إدارة هيئة الإغاثة، الذي تابع بنفسه أهم مراحل إقرار هذه المشروعات وتنفيذها، وكان للرابطة بقيادته آراء وجيهة، وتوجهات سديدة، وتسهيلات كثيرة جعلت هذه المشروعات ترى النور. كما كان لأمناء الهيئة السابقين جهود غير عادية في العمل على تسهيل كل العقبات أمام قيام هذه المشروعات. واستوت هذه المشروعات على سوقها، وأصبحت ملء السمع والبصر في عهد أمين عام هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية الحالي الأستاذ إحسان بن صالح طيب، فقد بذل جهودًا مضنية لافتتاح ما اكتمل بناؤه منها دون أي تأخير. وتمّم الله فضله بإحسانه، ودشن معالي الدكتور عبدالله التركي مبنى وقف الأيتام بمكة المكرمة صباح يوم الثلاثاء 28/8/1436هـ وهو مبنى ضخم يبعد عن الحرم المكي 150 مترًا فقط، ويقع في أجياد السد، وهو فندق 4 نجوم مكوّن من 29 دورًا، تضم 464 غرفة سكنية، بالإضافة إلى مرافق أخرى، ويزيد ريعه السنوي عن 50 مليون ريال، تُخصص لرعاية الأيتام. تمّ هذا التدشين في حفل أقيم في البرج نفسه، ودُعي إليه كبار المسؤولين في مكة المكرمة، إضافة إلى رجال الأعمال الذين ساهموا في بنائه وتجهيزه. وقدّم فيه راعي الحفل معالي الدكتور التركي كلمة ضافية تحدّث فيها عن أهمية الوقف في الإسلام، وعن جهود هيئة الإغاثة المتميّزة في إحياء هذه السنّة. كما تحدّث الأمين العام للهيئة الأستاذ إحسان صالح طيب عن مشروعات الهيئة الوقفية وأهدافها، وشكر كلّ من أسهم في جعلها حقيقة واقعة. وهذا الوقف الضخم واحد من أوقاف الهيئة الكثيرة التي تضم: وقف الرعاية التربوية، ووقف الرعاية الصحية، ووقف تنمية المجتمع، ووقف بيوت الله، ووقف الدعوة وسواها، وبعضها تم بناؤه، والبعض الآخر أوشك على الانتهاء. وهي مناسبة سعيدة: حلول هذا الشهر المبارك لدعوة كل المحسنين في هذه البلاد الطيبة لدعم هذه المشروعات الخيّرة. Moraif@kau.edu.sa
مشاركة :