يجمع المحللون على أن مشكلات الرواتب والبطالة ودعم القطاع الخاص والفقر من أبرز الملفات الاقتصادية عاجلة، التي تمثل أكبر التحديات أمام الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، بعد أن عجزت الحكومات المتعاقبة منذ الغزو الأميركي في 2003 عن تغيير النظرة البيروقراطية وكبح الفساد في التعاطي مع أزمات البلاد الكثيرة والمزمنة. بغداد - طوى العراق صفحة أخرى من تاريخه بعد حصول رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي على ثقة البرلمان ليل الأربعاء الخميس ليكون رئيس الحكومة الجديد، لكن الأمور ستزداد غموضا في الفترة المقبلة، إذ أن أكثر ما يثير الجدل بين الأوساط الاقتصادية والشعبية عملية إنعاش الاقتصاد المتدهور. ولعل أكثر ما يتفق عليه العراقيون اليوم هو أن الإصلاح الاقتصادي الفعلي لن يحصل إلا إذا توفرت الإرادة السياسية وهذه النقطة تبدو مفقودة في ظل التجاذبات بين القوى السياسية وانتشار مظاهر المحسوبية والفساد والبيروقراطية. وستكون أمام الكاظمي منذ الآن ملفات حارقة تحتاج إلى حلّ عاجل وتتمثل في مسألة الرواتب وإعطاء بارقة أمل للقطاع الخاص الذي عانى طيلة سنوات من ويلات الأزمات المزمنة للدولة النفطية، بسبب تكاليف الحرب على الإرهاب. علي مولوي: أي محاولة لتجنب الكارثة الاقتصادية، هي قليلة ومتأخرة جدا علي مولوي: أي محاولة لتجنب الكارثة الاقتصادية، هي قليلة ومتأخرة جدا وتبدو الإجراءات المقترحة لمواجهة جبل الأزمات المرة الأولى، التي يتعين فيها على حكومة عراقية القيام بها في ظل التركة الاقتصادية الثقيلة للحكومات السابقة، بينما يتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.7 في المئة العام الحالي. ويتعيّن عليه كذلك العمل على طمأنة العراقيين الذين يرزحون تحت وطأة البطالة المتفاقمة نتيجة الحجر الصحي وإجراءات الحظر الكامل للوقاية من فايروس كورونا وتداعيات انخفاض أسعار إيرادات النفط خمسة أضعاف خلال عام واحد. كما سيكون عليه البحث في اقتراح طباعة كميات من الأوراق النقدية، وهو ما يثير مخاوف من أن تفقد العملة قيمتها، الأمر الذي سيجبر البنك المركزي العراقي على استخدام احتياطاته الأجنبية البالغة 60 مليار دولار لدعم سعر صرف الدينار في مقابل الدولار. وتلك الملفات ليست الوحيدة، بل إن القلق يتزايد من تضاعف معدلات الفقر، وفق تقديرات البنك الدولي، ما يجعل ذلك أسوأ أداء سنوي للبلاد منذ الغزو الأميركي للإطاحة بصدام حسين في 2003. وتضرّر ثاني أكبر منتجي منظمة أوبك بعد السعودية جراء ضربة مزدوجة، أولها بانهيار أسعار النفط، وثانيها بجائحة كورونا، ما أثر بشكل دراماتيكي على عائداته من النفط. وبلغت إيرادات العراق من النفط الشهر الماضي نحو 1.4 مليار دولار، أي أقل من ثلث مبلغ الأربعة مليارات ونصف المليار التي تحتاجها البلاد شهريا لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام والتعويضات والتكاليف الحكومية. ومع ازدياد التوقعات المالية سوءا يوما بعد يوم، ينظر العراق في إمكانية الاقتطاع من الرواتب العامة الضخمة، في خطوة ستلقى رفضا شعبيا وقد تجدّد موجة الاحتجاجات مع تولي حكومة جديدة زمام الأمور. وكشف مسؤولان كبيران مشاركان في نقاشات لاقتراح الحلول لوكالة الصحافة الفرنسية إنه من المرجح أن تبقى أسس الرواتب على حالها، وأن تطال التدابير التقشفية “المخصصات” الكبيرة التي شكلت ثلثي موازنة الـ36 مليار دولار للرواتب في العام الماضي. وتتضمن تلك المخصصات مكافآت أو امتيازات كالسيارات والمنازل، استنادا إلى عوامل تشمل الأقدمية والمستوى التعليمي والأطفال، أو بشكل غير رسمي العلاقات السياسية والأسرية. ويقول أحد المسؤولين إن “التخفيضات التي ندرسها تشمل خفض مخصصات الموظفين العامين الرفيعي المستوى بأكثر من النصف، والمستوى المتوسط بنسبة 50 في المئة، والمستوى المنخفض بنحو 30 في المئة”. وتدرس الحكومة أيضا تجميد عمليات التوظيف والترقية، وخفض الإنفاق العسكري، ووقف صيانة المباني الحكومية لتوفير المزيد من المال. 9.7 في المئة قيمة الانخفاض المتوقع للناتج المحلي الإجمالي للعراق بحلول نهاية العام الجاري وتعتبر هذه الإجراءات جزءا من “وثيقة تمويل الطوارئ” التي تبلغ 54 مليار دولار، أي ما يزيد قليلا عن ثلث المبلغ المرصود في مسودة موازنة العام الجاري التي لم يمررها البرلمان حتى الآن. ويقول المحلل الاقتصادي العراقي علي مولوي إنه، مع تزايد العجز كل شهر، “أي نوع من الإجراءات التي ستتخذها الحكومة الآن لمحاولة تجنب الكارثة الاقتصادية، هي في الحقيقة قليلة جدا ومتأخرة جدا”. وتدفع الحكومة رواتب لأربعة ملايين موظف، ومعاشات تقاعدية لثلاثة ملايين، ومساعدات لمليون آخرين، ما يعني أن واحدا من كل خمسة عراقيين يتقاضى ما يمكن اعتباره مدفوعات من الدولة. وأكد مولوي أن حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي كسابقاتها، عيّنت موظفين لإرضاء حلفاء سياسيين. ويضيف أن “أسعار النفط ارتفعت عندما تولى عبدالمهدي منصبه، ما أدى إلى شعور زائف من حكومته بالأمان، فتوسعت في القطاع العام إلى مرحلة فقدان السيطرة، وهو ما أدى إلى هذه الأزمة المالية الخطيرة”. وبالنسبة للعام الماضي، رصدت الحكومة زيادة بنسبة 13 في المئة في مصروف الرواتب، وقفزت بنسبة 127 في المئة المعاشات التقاعدية، وفقا لتحليل البنك الدولي. وفي أواخر العام الماضي، وظفت الحكومة نصف مليون شخص على الأقل في محاولة لإرضاء المتظاهرين الغاضبين المناهضين لها والمحتجين على البطالة والفساد، ما أدّى إلى تضخم نفقات الرواتب مرة أخرى بنسبة 25 في المئة. والوظائف العامة موروث من الحقبة السابقة في العراق، إذ يتم توظيف خريجي الجامعات نظريا من وزارة ذات صلة فور تخرجهم. لكن هذه الاستراتيجية أثقلت القطاع العام الذي ينخره الفساد. وتعني الفوائد المرتبطة بالمناصب الحكومية أنها تباع بمبالغ تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات بحسب الرتبة، في حين أن القطاع الخاص متردّ بشكل مؤسف. ويقول كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي في العراق وائل منصور “هذا اقتصاد لا يخلق فرص عمل وإذا كانوا يريدون فعلا إحداث تأثير، فالمكان الوحيد للقيام بذلك هو الرواتب”. ويثير ذلك مشاكل في بلد لديه نمو سكاني متسارع، ومن المقرر أن يزيد عشرة ملايين في العقد المقبل ليصل إلى 50 مليون نسمة. ويؤكد البنك الدولي أن إجراءات تقشف مماثلة يمكن أن تثير مزيدا من الاضطرابات الاجتماعية مع ضعف الخدمات العامة أصلا وارتفاع معدلات البطالة. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :