هذه مجموعة متنوعة من الخواطر الرمضانية ذات القيمة الإيمانية والفائدة العلمية بقلم الأستاذ الدكتور وليد مُحمَّد عبدالله العَلِيّ أُستاذ الشَّريعة والدِّراسات الإسلاميَّة بجامعة الكويت وإمـام وخـطـيـب المـســجــد الكــــبــــيــــر بدولــــة الكويت. w-alali@hotmail.com إنَّ مدار العُبوديَّة على قاعدتيْن؛ هُما أصلها: حُبٌّ كاملٌ، وذُلٌّ تامٌّ. ومنشأ هذيْن الأصليْن عن ذَيْنِك الأصليْن المُتقدِّميْن وهُما: مُشاهدة المنَّة؛ التي تُورث المحبَّة، ومُطالعة عيب النَّفس والعمل؛ التي تُورث الذُّلَّ التَّامَّ. وإذا كان العبد قد بنى سُلوكه إلى الله تعالى على هذيْن الأصليْن: لم يظفر عدوُّه به إلا على غِرَّةٍ وغِيلةٍ، وما أسرع ما يُنعشه الله عزَّ وجلَّ ويجبره ويتداركه برحمته. وإنَّما يستقيم للعبد سُلوكه هذا: باستقامة قلبه وجوارحه، واستقامة القلب بأمريْن: الأمر الأوَّل: أن تكون محبَّة الله تعالى في القلب على جميع المحابِّ، فإذا تعارض حُبُّ الله تعالى وحُبُّ غيره: سبق حُبُّ الله تعالى حُبَّ ما سواه، وما أسهل هذا بالدَّعوى؛ وما أصعبه بالفعل، فعند الامتحان: يُكرم المرء أو يُهان، وما أكثر ما يُقدِّم العبد ما يُحبُّه هُو ويهواه: على ما يُحبُّه الله تعالى، فهذا لم تتقدَّم محبَّة الله تعالى في قلبه جميع المحابِّ؛ ولا كانت هي الملكة المؤمرة عليها، وسُنَّة الله تعالى فيمن هذا شأنه: أن يُنكِّد عليه محابَّه ويُنغِّصها عليه، ولا ينال شيئاً منها إلا بنكدٍ وتنغيصٍ؛ جزاء له على إيثار هواه وما يُحبُّه: على محبَّة الله تعالى، وقد قضى الله تعالى قضاء لا يُردُّ ولا يُدفع؛ أنَّ من أحبَّ شيئاً سواه: عُذِّب به ولا بُدَّ، وأنَّ من خاف غيره: سُلِّط عليه، وأنَّ من اشتغل بشيءٍ غيره: كان شُؤماً عليه، ومن آثر غيره عليه: لم يُبارك فيه، ومن أرضى غيره بسخطه: أسخطه عليه ولا بُدَّ. الأمر الثَّاني: تعظيم الأمر والنهي في القلب، وهو ناشئٌ عن تعظيم الآمر النَّاهي، فإنَّ الله تعالى ذمَّ من لا يُعظِّم أمره ونهيه، فقال سُبحانه وتعالى: ﴿مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾. أي: ما لكم لا تخافون الله تعالى وتُعظِّمونه حقَّ عظمته. وأوَّل مراتب تعظيم الحقِّ عزَّ وجلَّ: تعظيم أمره ونهيه، وتعظيم الأمر والنَّهي: هو أن لا يُعارضا بترخُّصِ جافٍ؛ ولا يُعرَّضا لتشديدِ غالٍ؛ ولا يُحملا على علَّةٍ تُوهن الانقياد. فتعظيم المُؤمن لأمر الله تعالى ونهيه: دالٌّ على تعظيمه لصاحب الأمر والنَّهي، ويكون بحسب هذا التَّعظيم من الأبرار: المشهود لهم بالإيمان والتَّصديق؛ وصحَّة العقيدة والبراءة من النِّفاق الأكبر، فإنَّ الرَّجل قد يتعاطى فعل الأمر: لنظر الخلق؛ وطلب المنزلة والجاه عندهم، ويتَّقي المناهي: خشية سُقوطه من أعينهم؛ وخشية العُقوبات الدُّنيويَّة من الحدود التي رُتِّبت على المناهي، فهذا ليس فعله وتركه صادراً عن تعظيم الأمر والنهي؛ ولا تعظيم الآمر والنَّاهي. فعلامة التَّعظيم لللأوامر: رعاية أوقاتها وحُدودها؛ والتَّفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها؛ والحرص على تحيُّنها في أوقاتها؛ والمُسارعة إليها عند وُجوبها؛ والحُزن والكآبة والأسف عند فوت حقٍّ من حُقوقها.
مشاركة :