بعودة الموت الأسود هل يعيد التاريخ نفسه؟

  • 5/17/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مع انتشار فايروس كورونا المستجد وتأثيره الكبير على مختلف بلدان العالم، ومع تزايد تأثيره العميق على حياة المجتمعات والأفراد، صار الجميع يبحثون عن تاريخ الفايروسات ويقرأون عنها بنهم في المقالات والكتب والدراسات وحتى في الروايات والأفلام وغيرها، حيث قدمت العديد من الأعمال الفنية والأدبية والكتب التي أرّخت للأوبئة وانعكاساتها السياسية والاجتماعية والثقافية والحضارية عموما. يستعيد المؤلفان البريطانيان سوزان سكوت وكريستوفر دنكان في كتابهما المشترك “عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور” تاريخ عدد من الأوبئة والطواعين التي اجتاحت أوروبا في القرون الماضية، وأودت بأعداد كبيرة من البشر، وشكّلت تهديدات خطيرة على العالم. يشير المؤلفان في كتابهما (منشورات هنداوي، ترجمة فايقة جرجس حنا، القاهرة) إلى أنه عادة ما تنسب طواعين القرن العشرين الناشئة إلى أصول حيوانية، وهنا يكمن مفتاح نجاحها. ويلفتان إلى أنه عندما بدأ البشر أول ما بدؤوا العيش معا على مسافات قريبة في المدن، وما بينها من طرق تجارية مزدحمة، وجدت الظّروف المثالية تماما للظهور الحتميّ للأمراض الفتّاكة حيوانية المنشأ. الرعب من المرض يذكر الكاتبان أن العالم يزداد تقاربا في القرن الحادي والعشرين، وأنه عندما تنخرط أعداد كبيرة من الأشخاص في السياحة البيئية أو يدخلون إلى الغابات المطيرة لقطع الأشجار، فإنهم يحتكّون بالآلاف من الفايروسات التي لم يسبق لها أن اقتربت من الإنسان من قبل.ومع أن الأغلبية العظمى من هذه الفايروسات لن تستطيع تخطّي الحاجز النوعي، فإن القليل منها سوف يتمكن من ذلك، ويلفتان إلى أنه مع التزايد اللانهائي لأعداد المسافرين بسرعة كبيرة من مكان إلى آخر، أصبح الموقف حرجا. ويشير الكاتبان إلى أنّه على مدار أكثر من 600 عام، وكلمة “طاعون” تبث الرعب في القلوب، و تثير سيناريو مرعبا لمرض شديد العدوى لا يمكن ردعه، ولا علاج له، ولا مفرّ من أن يموت صاحبه ميتة مؤلمة، وتراهما ينوّهان إلى أنه على الرغم من أنّ لدى البشر حاليا، معرفة أكبر من أي وقت مضى بالمرض، وعددا من اللّقاحات والعلاجات الفعالة، وخبراء متمرسين في علم الأوبئة والبيولوجيا الجزيئية، ومجموعة من الاختبارات التشخيصية والتقنيات الحديثة التي من شأنها تحديد تسلسل جينوم أي فايروس جديد في خلال أشهر من ظهوره الأول، إلّا أنّ الرعب من أن يظهر مرض جديد، ربما طاعون آخر، يهدد الحياة البشرية، يظلّ بنفس القوة التي كان عليها في ما مضى. في فصل بعنوان “إنجلترا تحت الحصار” يتحدث المؤلفان أنّه في كل وباء طاعون ظهر في إنجلترا وصلها بالضرورة عن طريق القوارب المحملة بالبحارة والتجار والمسافرين المصابين، الذين وفدوا عموما عن طريق القنال الإنجليزي وبحر الشمال، وإن انتقل المرض في بعض الأحيان جيئة وذهابا بين تشستر وأيرلندا، ويقولان إنّه ما إن بدأ الوباء الجديد نشاطه مثيرا فزع المواطنين، فإنه كان يصبح على استعداد للمضي قدما وبدء المزيد من نوبات التفشي على نطاق أوسع. وعن طاعون لندن العظيم يكتب المؤلّفان بأن من بين كل ابتلاءات الطاعون في أوروبا، نعرف عن “طاعون لندن العظيم”، الذي بدأ عام 1665، أكثر مما نعرف عن أي طاعون آخر. وأن الطاعون كان هائجا في هولندا عام 1664 ووجّه تحذيرا مسبقا إلى مفوضي إدارة الجمارك لضمان عدم دخول لاجئين مصابين إلى أرض بريطانيا. لكن لم يكن هذا التحذير مجديا، فقد انتشر الوباء رغم كل شيء. يتحدث المؤلفان عن آلية عمل البكتيريا والجراثيم، ويذكران أن الإنسان في حرب مع الأمراض المعدية منذ فجر التاريخ، وأنّه حتى عهد قريب نسبيّا، ومع المعرفة المتزايدة بالأسباب الكامنة وراءها وظهور المضادات الحيوية واللقاحات، لطالما كانت معركة من طرف واحد إلى حدّ بعيد. ويقولان إنه بطريقة ما أو بأخرى، تعلم الإنسان اليوم التعايش مع الأمراض المعدية، وأن مستودع أسلحتنا الذي يقاوم الأمراض المعدية يواصل النمو ونكسب بعض المعارك بجدارة، لكن الحرب مستمرة بلا شك. يصفان العدوى بالصراع، وأنّ كل عدوى هي صراع بين العامل المعدي والعائل: فالطفيل يكافح من أجل البقاء والتكاثر، فيما يشن الجهاز المناعي للعائل ما يشبه دفاعا حربيّا مصمما للعثور على الميكروب وتدميره والتخلص منه. ويؤكّدان أنّه ثمة عامل آخر ذو أهمية كبرى للغاية للعوامل المعدية، ألا وهو أنه يتعين عليها الانتقال من إنسان إلى آخر؛ فهذا أمر جوهري في استراتيجية نجاة كافة الأمراض المعدية؛ لأنه في آخر المطاف سوف يتخلص العائل من العدوى أو يموت. أما عن عودة الموت الأسود، فيتساءل المؤلفان ما إن كان البشر قد تعلموا الدرس من تفشي الأوبئة أو لا، ويقولان إنه بصفة عامّة، تدرك السلطات الصحية في كل أنحاء العالم جيدا مخاطر الأمراض الناشئة، وثمة فرق دولية في حالة تأهّب للتعامل مع أي موجة تفشي يبلّغ عنها. ويؤكدان أنّه حالما يتم التعرف على طرق انتقال العدوى وتحديد طبيعة المرض، فسيتعين في الحال اتخاذ تدابير مكافحة وسلامة صارمتين، وأنّ السر يكمن في تحديد فترتي الحضانة وانتقال العدوى، وأنه ينبغي أن تتوافر المساعدة والتعاون الدوليان الكاملان، ولا بد أن تعمل فرق من علماء الأوبئة والأحياء الدقيقة بلا انقطاع على مدار الساعة لتحديد خصائص المرض الجديد، حتى يمكن التنبؤ بانتشار الوباء وعواقبه، وبناء على ذلك تتّخذ التدابير المناسبة، وتراهما يشدّدان على أنّ ثمن السلامة هو اليقظة الأبدية. يلفت المؤلفان إلى أن الحرب الجرثومية هي بديل القنبلة النووية الرخيص؛ لأن الأسلحة النووية باهظة التكلفة وصعبة النقل وسهلة الرصد. ويطلق المؤلفان سؤالا تحذيريا عما إن كان هناك ما هو أبشع من الموت الأسود، لينوّها بعده إلى أن القوى العظمى في العالم لطالما عملت في الخفاء لعقود عديدة على ابتكار الأسلحة البيولوجية. ويذكر سكوت ودنكان أن تطوير التكنولوجيا الضرورية كان نتيجة حتميّة للاكتشاف الذي حدث عام 1953 بشأن الكيفية التي يحكم بها الـ”دي.إن.إيه” الوراثة ويتحكم في آلية عمل كافة الكائنات الحية، بدءا من الميكروبات ووصولا إلى الإنسان. أنفقت الحكومات كمّا هائلا من الوقت والمال في سبيل ابتكار طرق لمهاجمة الأفراد في مجموعات وقتلهم من خلال إطلاق كائنات حية فتاكة أو سمومها، وكذلك في سبيل إعداد وسائل للتصدي لمثل هذه الهجمات. يشار إلى أن سوزان سكوت مؤرخة اجتماعية متخصصة في علم إحصاءات السكان، وباحثة بكلية العلوم البيولوجية بجامعة ليفربول. وكريستوفر دنكان أستاذ فخريٌ في علم الحيوان بجامعة ليفربول.

مشاركة :