ارتفع معدل التضخم في مصر في كانون الثاني/يناير بنسبة 29.6 في المئة، وهو ما يزيد بخمسة في المئة عن شهر كانون الأول/ديسمبر. ويعود التضخم إلى فقدان الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته بعد تعويمه في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 استجابة لشروط نيل قرض من صندوق النقد الدولي. وقال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في شباط/فبراير إن معدل التضخم السنوي ارتفع مدفوعا بزيادة أسعار السلع الغذائية، التي زادت بنسب تراوحت بين سبعة و15 في المئة مقارنة بشهر كانون الأول/ديسمبر. فما هو التضخم؟ وما هي علاقته بارتفاع أسعار السلع الغذائية وأثره على الاقتصاد المصري؟ التضخم والعوامل المؤثرة يقول الباحث الاقتصادي عمرو عادلي لـموقع الحرة إن التضخم الاقتصادي له مصادر عدة، من بينها حدوث تغير مفاجئ في العرض، كارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية أو ندرة منتجات معينة، أو تغير مفاجئ في الطلب كزيادة عدد الأوراق المالية المطبوعة. والتضخم هو فقدان العملة لقيمتها الشرائية على فترات زمنية متتالية. فعلى سبيل المثال، ترتفع أسعار المنتجات الاستهلاكية مقارنة بما كانت عليه في السابق، ويؤدي هذا إلى عجز مبلغ مالي معيّن عن شراء منتج كان يستطيع شراءه في السابق. ولفت الباحث إلى أن ارتفاع نسبة التضخم تتحكم به عوامل سياسية أيضا، إذ يتم اختيار مجموعة معينة من المنتجات تعتبرها السلطات أساسية لأغراض الحياة اليومية لحساب هذه النسبة. وبسؤاله عن إبداء صندوق النقد الدولي تفاؤله بانخفاض نسبة التضخم في 2017، قال عادلي إن الاقتصاد المصري يعاني من حلقة مفرغة من الركود، إذ انخفضت معدلات النمو تزامنا مع ارتفاع معدل التضخم. وأشار عادلي إلى أن التدابير المتخذة تلبية لشروط قرض صندوق النقد الدولي كخفض الدعم والحد من الواردات عن طريق تعويم العملة المحلية، ساهمت في زيادة نسبة التضخم على المدى القريب بسبب زيادة أسعار السلع المستوردة، مضيفا أن معدلات التضخم التي وصلت إلى مستوى تاريخي ستنخفض في الأشهر القادمة مع تكيف البائعين والمشترين مع قلة عدد السلع المستوردة. مستقبل الاقتصاد المصري وقال الباحث الاقتصادي إن السؤال الحقيقي يكمن في قدرة الاقتصاد المصري على تحقيق نمو، إذ إن انخفاض معدلات التضخم لا يعد غاية في حد ذاته، وإنما وسيلة لضمان مؤشرات اقتصادية مستقرة تشجع المستثمرين وتساهم في خلق معدلات توظيف متزايدة، وهو ما يقود تباعا إلى زيادة النمو. وأعرب عادلي عن اعتقاده بأن صندوق النقد الدولي لا يعرف كيف سيستأنف الاقتصاد المصري النمو لاعتماده على المنتجات المستوردة وواردات قطاعات هامة كالزراعة والتصنيع. ففي قرض صندوق النقد الدولي لمصر عام 1991، اشترط على القاهرة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والتعديل الهيكلي بهدف تصحيح اختلال التوازن بين جانبي العرض والطلب، إلا أن انخفاض معدلات التضخم والنمو في تلك الفترة أدى إلى حدوث ركود اقتصادي. وعن كيفية خفض معدلات التضخم، قال عادلي إذا عجزت قطاعات السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة عن التعافي، فإن معدلات التضخم قد تنخفض، لكن على حساب معدلات النمو. ويشير عدد من المسؤولين الحكوميين والمواطنين إلى أن نسبة التضخم لا تعني بالضرورة هذا الارتفاع الكبير في الأسعار، ملقين باللوم على تجار السلع الاستهلاكية لما يرونه استغلالا للظروف الاقتصادية، عن طريق التحجج بالتعويم لرفع أسعار السلع الاستهلاكية بصورة كبيرة. تأثير التضخم على المستهلكين وتعليقا على ارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الخبز والأرز والشاي بنسب تتراوح بين 65 و86 في المئة، يقول تاجر السلع الغذائية في مدينة الجيزة محمد رشاد إن المكاسب التي يحصل عليها بعد بيع سلعه، ينفقها في شراء بضاعة جديدة نظراً لارتفاع سعرها في بعض الأحيان أسبوعيا، مضيفا، لا بد من أن أزيد الأسعار حتى أحافظ على هامش ربحي المعتاد، والذي يتضاءل شهرا بعد شهر. وفي تصريح لـموقع الحرة، رأى خبير البورصة المصرية محمد فتحي أن إبداء صندوق النقد الدولي تفاؤلا بالتزام البنك المركزي والحكومة المصرية ببنود اتفاق القرض يعني أن مصر تسير على الطريق الصحيح، وقال إن هذا الارتفاع الملحوظ في الأسعار كان أمرا لا بد من وقوعه. وأضاف أن الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد بفعل الاضطرابات الأمنية منذ خمس سنوات أجبرت الحكومة المصرية على سلوك هذا الطريق، مبديا تفاؤلا باستقرار سعر الصرف في النهاية وانخفاض معدلات التضخم. ولم ينف فتحي تأثير ذلك على المستهلك المصري، قائلا إن التاريخ يعيد نفسه، في إشارة إلى قرض صندوق النقد الدولي لمصر عام 1991، والذي نفذت بموجبه القاهرة إصلاحات مشابهة لقرض العام الماضي. وفي ما يتعلق بكيفية تأقلم الأسرة المصرية على الوضع الاقتصادي الحالي، قال فتحي إن تركيز الإنفاق الفردي لا بد أن يكون منصبا على السلع الغذائية في الوقت الحالي، موضحا أن ما وصفه بـالكماليات يجب ألا تكون من الأولويات الشرائية.
مشاركة :