قوبلت التوجهات التقشفية لموازنة 2021 باستنفار الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اعتبرها مجحفة في حق أعضاءه وهدد بالتصدي لها، ما يؤسس لبوادر صراع مع الحكومة الجديدة التي يرى خبراء اقتصاديون أنها مجبرة على تقليص أعباء الإنفاق واستحداث آليات تمكنها من تعبئة موارد مالية إضافية، في ظل توقعات بانكماش حاد للاقتصاد التونسي. كشفت الحكومة التونسية عن الخطوط العريضة لموازنة 2021 والتي تتجه فيها إلى إغلاق باب الانتدابات في الوظيفة العمومية والمحافظة على نسبة اقتطاع 1 في المئة من أجور الموظفين لفائدة الصناديق الاجتماعية المفلسة إلى جانب إجراءات تقشفية أخرى، حذر الاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد العمال) من تداعياتها الاجتماعية. ويرى مراقبون أن الحكومة التونسية تتجه نحو الحلول السهلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عمقها وباء كورونا، وأهمها الضغط على نفقات الدولة مقابل البحث عن استحداث ضرائب جديدة من أجل تحصيل إيرادات إضافية. واعتبر سامي الطاهري الأمين العام المساعد والناطق باسم الاتحاد العام التونسي للشغل في تصريح لوسائل إعلام محلية أن منشور رئاسة الحكومة الموجه لكافة الوزارات والمتعلق بالإعداد لموازنة 2021 يتضمن إجراءات ستعمق البطالة وستزيد من تفقير الأجراء، مؤكدا أن الاتحاد سيرد قريبا. وقال الطاهري “المنشور يتضمن توصيات لا اجتماعية تستهدف مكتسبات الأجراء من موظفين وأعوان دولة وتحملهم أعباء خلل الميزان العمومي الذي تسببت فيه خيارات الحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية”. وأصدر رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ منشورا إلى كافة الوزارات يتضمن جملة من الإجراءات أبرزها عدم إقرار انتدابات جديدة لسنة 2021 وإرجاء برامج التكوين بهدف الانتدابات الجديدة إلى 2022، وتأجيل الترقيات إلى سنة 2022 والنزول بكتلة الأجور، إلى جانب عدم استخلاص ساعات العمل الإضافية لعدد من القطاعات باستثناء “الدفاع والداخلية والصحة ورئاسة الجمهورية”. وعلى الرغم من أن اتحاد الشغل لم يفصح عن كيفية تحركه في مواجهة القرارات الحكومية، إلا أن مصادر مقربة من المنظمة الشغيلة لم تستبعد الدخول في سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات القطاعية وقد تتجه إلى الإضراب العام ما لم تصل إلى تفاهمات ترضي الطرفين في طريقة إدارة التداعيات الاقتصادية للجائحة. وحذّر الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل بوعلي المباركي الأحد في تصريحات لوسائل إعلام محلية من “مغبة المخاطرة وتحميل الأجراء وحدهم تداعيات الأزمة الاقتصادية”، في إشارة غير مباشرة إلى الاتحاد العام التونسي للتجارة والصناعات التقليدية (منظمة أرباب العمل) الذي لم تشمله الإجراءات الحكومية في تعبئة الموارد المالية. وكانت الحكومة التونسية قد هددت في وقت سابق بفرض ضريبة على الثروة تشمل كبرى المؤسسات الاقتصادية في إطار معركتها مع منظمة أرباب العمل التي رفضت المشاركة بشكل أكبر في تعبئة موارد صندوق مخصص لمجابهة التداعيات الصحية لوباء كورونا. ورفض رئيس منظمة أرباب العمل سمير ماجول مساهمة الأعراف في صندوق كورونا، مشترطا إعفاء الشركات من الضرائب للمشاركة في تعبئة الموارد المالية، وهو ما اعتبرته أطراف حكومية محاولة ابتزاز لا يمكن القبول بها. وترى قيادات المنظمة العمالية أن قانون الموازنة لسنة 2021 يستهدف الأجراء دون غيرهم ويعفي أرباب العمل من مسؤولية المساهمة في تطويق الأزمة الاقتصادية. وأكد الأمين العام المساعد للمنظمة المسؤول عن الشؤون القانونية حفيظ حفيظ أن “اتحاد الشغل لن يقبل بأية ميزانية لا تنهض بأوضاع الأجراء والمهمّشين ولن يقبل أن يدفع العمّال فاتورة كل أزمة اقتصادية بمفردهم”. ويؤسس موقف المنظمة العمالية لبوادر صراع مرتقب مع الحكومة التونسية الجديدة، قد يؤثر سلبا على السلم الاجتماعي الهش، خاصة بعد عودة حماسة الاحتجاجات في عدد من مناطق البلاد تنديدا بالتهميش ومطالبة بالتنمية والتشغيل. واصطدمت الحكومة التونسية الجديدة بأعباء اقتصادية إضافية جراء تداعيات فايروس كورونا على اقتصاد البلد الذي يعاني أصلا من أزمات لا حصر لها، ما يزيد من حجم التركة الثقيلة أمامها. وسجّل الاقتصاد التونسي نسبة نمو 1 في المئة في العام الماضي، مقابل 2.5 في المئة في 2018، و1.9 في المئة في 2017. وتوقع صندوق النقد الدولي، أن ينكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 4.3 في المئة في سنة 2020 تحت وطأة كورونا، وهو أعمق ركود تشهده البلاد منذ استقلالها في عام 1956. واعتبر الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن أنّ التأثيرات الاقتصادية والمالية لجائحة كورونا على تونس ستكون متعددة الأوجه. وفي علاقة بالمالية العمومية، توقع حسن أن يؤدي تراجع وتيرة النشاط الاقتصادي إلى تراجع موارد الدولة المتأتية من الجباية والمعاليم الديوانية، بالإضافة إلى صعوبة توفير التمويلات الخارجية المبرمجة في قانون المالية لسنة 2020 والمقدرة بـ9 مليارات دينار نظرا إلى شح السيولة على مستوى الأسواق المالية العالمية وتوجيه الجزء الأكبر من الموارد المتاحة للمؤسسات المالية العالمية إلى دعم الدول المتضررة من أزمة كورونا، بعد أن تحولت الأزمة الصحية في الصين إلى أزمة اقتصادية ثم أزمة مالية عالمية. وبخصوص الإجراءات الاقتصادية والمالية الواجب اتخاذها للحد من الآثار السلبية على الأفراد والمؤسسات أكّد حسن أنّه يتعين على الدولة التوجه نحو التخفيض في نسبة الفائدة المديرية وذلك للتحكم في كلفة التمويل بالنسبة إلى المؤسسات وكذلك الأفراد، ولمَ لا تحريك الطلب الداخلي في ظل تراجع التصدير كمحرك للنمو. ودعا الحكومة إلى وضع خطط للدفع الاقتصادي من أجل المحافظة على النسيج الاقتصادي الوطني وضمان استدامة المؤسسات وخاصة الصغرى و المتوسطة منها من خلال إسداء امتيازات جبائية استثنائية وإعادة جدولة ديون المؤسسات الصغرى والمتوسطة والتي تمر بصعوبات اقتصادية ومالية، وذلك في إطار قانون الموازنة التكميلي لسنة 2020 الذي لا بد أن يصادق عليه مجلس نواب الشعب قبل نهاية يونيو 2020. وشدد على ضرورة العمل على وضع خطوط تمويل لجدولة ديون المؤسسات الصغرى والمتوسطة في القطاعات المتضررة يتم الشروع في تنفيذه قبل نهاية يونيو 2020، والنظر في إمكانية جدولة ديون المؤسسات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتي تمر بصعوبات مالية وتأجيل سداد الأقساط المستوجبة. ويعاني الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من عجز في موازنته دفع الحكومة التونسية إلى فرض ضريبة استثنائية على الأجراء دخلت حيز التنفيذ يناير الماضي وتقضي بقطع نسبة 1 في المئة من قيمة الرواتب لفائدة الصندوق، حيث تستهدف تحصيل موارد إضافية تقدر بـ400 مليون دينار (130 مليون دولار) ، لكن اتحاد الشغل يطالب بإيقافها ما قد يعمق أزمة الصندوق.
مشاركة :