تسجّل في العراق عودة تدريجية للاحتجاجات بعد أن تراجعت حدّتها خلال الأشهر الماضية بفعل عمليات الإغلاق المتصلة بإجراءات الحدّ من انتشار فايروس كورونا. وتأتي عودة الاحتجاجات إلى الشارع العراقي مع تسلّم حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي لمهامها، في ظلّ مخاوف من عملية توجيه حزبية لحركة الشارع لإرباك عمل الرجل الذي أظهر عزما على إصلاح الكثير من الأوضاع وفتح ملفات شائكة ومعقّدة بما قد يضرّ مصالح العديد من الأطراف السياسية المستفيدة من ضعف الحكومات السابقة وعدم قدرتها على محاسبة الفاسدين والخارجين عن القانون. وبدأت ملامح الانقسام تظهر في صفوف القوى المحرّكة لحركة الاحتجاج بين من يلمسون جديّة في توجه الكاظمي نحو الإصلاح وينادون بمنحه الفرصة وتسهيل مهمّته، ومن يصرّون على تصعيد الضغوط على الحكومة الجديدة لتحصيل أقصى ما يمكن من المكاسب في أقصر وقت ممكن. ورغم ما يبديه رئيس الوزراء العراقي من جدية في الإصلاح والتغيير، إلاّ أن الوسائل المتاحة له تبدو ضعيفة للغاية، خصوصا بالنظر إلى الأوضاع المالية للدولة وتعمّق عجز الميزانية بفعل التراجع الكبير في أسعار النفط إضافة إلى ما فرضته جائحة كورونا من أوضاع استثنائية ذات تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي، وبالنتيجة على الوضع الاجتماعي. وأصيب، الاثنين، خمسة متظاهرين عراقيين وثلاثة من عناصر الشرطة في اشتباكات أثناء محاولة تفريق اعتصام مستمر منذ أسبوع أمام حقل نفطي بمحافظة واسط، جنوبي البلاد. وفي إفادات متفرقة لوكالة الأناضول، قال شهود عيان إن قوات الأمن حاولت فض اعتصام قرب حقل الأحدب النفطي في محافظة واسط بالقوة ما أدى إلى اندلاع مواجهات مع المتظاهرين. وذكر الشهود أن عناصر الأمن استخدموا الهراوات لتفريق المتظاهرين الذين رشقوهم بدورهم بالحجارة والزجاجات الحارقة. وبحسب المصادر نفسها، أصيب خمسة متظاهرين بجروح، فيما احترق عدد من خيام الاعتصام. ومن جانبه قال الضابط في شرطة حماية المنشآت النفطية غدير عبدالغفور إنّ ثلاثة من أفراد الشرطة أصيبوا بجروح متفاوتة الخطورة جراء إلقاء حجارة وزجاجات حارقة عليهم من قبل المتظاهرين. وأضاف عبدالغفور أن قوات الشرطة حاولت تفريق المتظاهرين بعد محاولتهم منع العاملين في حقل الأحدب من الالتحاق بأعمالهم. ولفت إلى أن المتظاهرين لم يغادروا مكان الاعتصام، لكن حالة الهدوء عادت إلى المكان مجددا. حكومة مصطفى الكاظمي تحتاج منحها فرصة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الموروثة عن حكومة عادل عبدالمهدي ومنذ 11 مايو الجاري يعتصم العشرات من المتظاهرين أمام حقل الأحدب النفطي للمطالبة بإقالة المسؤولين المحليين بالمحافظة وتعيين آخرين أكثر كفاءة. ومنذ بداية موجة الاحتجاج بالعراق في أكتوبر الماضي وجه المحتجون غضبهم بشكل استثنائي صوب الحقول والمنشآت النفطية في تعبير عن غضبهم من الهدر الكبير لموارد تلك الثروة وعدم استفادة العراقيين منها على الرغم من وفرتها. وحاول المحتجون في مناسبات سابقة وقف عملية استخراج الخام وتسويقه. ونفت وزارة النفط العراقية، الاثنين، صحة تقارير صحفية عن نيتها إيقاف الإنتاج في حقل الأحدب بسبب التظاهرات. وقالت الوزارة في بيان “ننفي نية الوزارة إيقاف العمل في حقل الأحدب”، مشيرة إلى أن التظاهرات قرب الحقل ليست لها علاقة بالقطاع النفطي أو عمليات الإنتاج بل مرتبطة بإدارة محافظة واسط. ويقدر الاحتياطي النفطي في حقل الأحدب بأكثر من مليار برميل وينتج حاليا نحو 60 ألف برميل نفط يوميا، وفق بيانات رسمية. وشهد العراق منذ أكتوبر الماضي احتجاجات مناهضة للطبقة السياسية الحاكمة، تخللتها أعمال عنف خلفت أكثر من 600 قتيل وفق رئيس الجمهورية برهم صالح، ومنظمة العفو الدولية. واستمرت الاحتجاجات إلى غاية منتصف مارس الماضي قبل أن تتوقف بفعل تداعيات جائحة كورونا، لكن الآلاف من المتظاهرين استأنفوا، مؤخرا، احتجاجاتهم في العاصمة بغداد ومحافظات وسط وجنوبي البلاد. وكانت من أهم نتائج الحركة الاحتجاجية الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي التي حلتّ حكومة الكاظمي محلّها وورثت عنها إرثا اقتصاديا واجتماعيا ثقيلا، كما ورثت إرثا حقوقيا معقّدا حيث سيتعيّن على الكاظمي إنصاف المتضرّرين من قمع حكومة عبدالمهدي للمحتجين والكشف عن المسؤولين عن قتل وجرح أعداد منهم وإخضاعهم للمحاكمة، وهو أمر ليس باليسير نظرا لتوجّه التهم إلى مسؤولين كبار في الحكومة السابقة وقادة ميليشيات أقوياء ونافذين. ووجه الكاظمي، الاثنين، وزارة الداخلية باتخاذ إجراءات حازمة ضد “عصابات الجريمة” والتدخلات السياسية. وقال الناطق الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول في بيان إنّ رئيس الوزراء “وجه خلال زيارته إلى وزارة الداخلية بمتابعة قضايا الخطف وحسمها، والتعاطي مع الاحتجاجات بروح مختلفة على أساس احترام القوانين وقيم حقوق الإنسان”. وأضاف رسول أن الكاظمي وجه أيضا بـ“حماية كرامة المواطن العراقي والتعامل بحزم مع عصابات الجريمة وعدم الخشية من أي جهة على حساب تنفيذ القانون، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار المخدرات ومحاربة الفساد والترهل والتدخلات السياسية، وتكريم الضباط الأكفاء ومحاسبة المقصرين”. ويحذّر متابعون للشأن العراقي من أن المحتجّين، وعلى الرغم من المطالب المحقّة، التي يرفعونها إلاّ أنّ حراكهم يظل قابلا للاختراق من قبل تيارات سياسية وشخصيات نافذة متوجّسة من أي عمل إصلاحي يتناقض مع مصالحها. وعلى الرغم من حالة الوفاق السياسي الواسع التي مكنّت مصطفى الكاظمي من تمرير حكومته أمام البرلمان، فإن العديد من الأطراف أبدت اعتراضها على توليه رئاسة الحكومة بالنظر إلى عدم انتمائه إلى الأحزاب التي حكمت العراق منذ سنة 2003.
مشاركة :