أؤمن بأن الإعلام لا يمكن أن يكون حياديا لا في زمن السلم ولا في زمن الحروب، وفي كل دول العالم تكون للإعلام بصمة فارقة في سياسات الدول الداخلية والخارجية، فهو المنبر الذي يساعد الحكومات على تشكيل الرأي العام وتوحيد صفوف الجماهير لمواجهة التحديات والأخطار التي تهدد أمنها واستقرارها.بيد أن ذلك لا يعني أن يبلغ الحمق مداه ليفقد الإعلام بوصلته ويتحول إلى بوق يردد الأكاذيب والافتراءات على نحو مضحك يثير الشفقة والازدراء معا، حين يتخلى عن أبسط قواعد المهنية في رسائله التي يوجهها إلى الجماهير في الداخل والخارج ظنا منه بسهولة تحويل الأعداء إلى أصدقاء بمجرد إنتاج مادة إعلامية لا تحمل في مضامينها أي ملمحٍ من الاحترافية، وقبل ذلك الحد الأدنى من المصداقية.لم أكن أتوقع أن يبلغ التناقض فيما تقدمه قناة الجزيرة من برامج وأخبار إلى هذا الحد من التخبط والابتذال، حتى على مستوى حضورها في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ اعتدنا على مشاهدة التغريدات الصبيانية المضحكة ذات الصياغة الركيكة، التي لا يمضي على إطلاقها دقائق معدودات حتى يسارع القائمون عليها بمسحها كدليل واضح على تخبطهم المستمر.أتفهم حجم الضغوطات التي تواجهها إدارة القناة من الحكومة القطرية التي لم تترك محفلا دوليا إلا وتباكت فيه من آثار المقاطعة، رغم محاولاتها المستميتة على مدى ثلاث سنوات بنفس النهج والاستراتيجية إلا أنها لم تحقق مبتغاها بتأليب الرأي العام العالمي ضد دول المقاطعة لإجبارها على عودة العلاقات معها.لكن ما لا أتفهمه هو انحيازها المخزي لإيران بعدما كانت تلعنها وتشتمها ليل نهار في برامجها الحوارية خاصة بعد بداية عاصفة الحزم! إلى درجة أنها تنتج «بودكاست» تمجد فيه المجرم السفاح قاسم سليماني وتصفه بالمجاهد المسلم الذي كرس نفسه لخدمة الإسلام! وهو الذي لا أحد يختلف على دوره الحقير في قتل وتشريد الملايين من المسلمين لأسباب طائفية وتوسعية.وأعلم أن كل قناة إعلامية قد ترتكب الهفوات والشطحات في موادها الإخبارية طالما أنها تجتهد في سعيها إلى تقديم ما يشفع لها بالبقاء في دائرة المنافسة مع القنوات الأخرى، ولا تثريب عليها حين تنحاز إلى صف حكومتها التي تسبغ عليها بالأموال والدعم اللامحدود حتى لو تخلت عن أخلاقيات المهنة ومواثيق الشرف الإعلامي، من أجل تجميل وجه حكومتها القبيح، لكن أن يجعلها حقدها على السعودية ودول الخليج ترتمي بهذا الشكل المخزي في الحضن الإيراني وتمجد المجرم سليماني، فإنه والله ليس إلا دليلا على أن من يديرون القناة لا يؤمنون بعدالة موقف الحكومات والشعوب العربية تجاه النظام الإيراني وتدخلاته السافرة في المنطقة.لقد أصبح التخبط من أبرز سمات المرحلة التي تمر بها القناة، إذ أصبحت تنتج موادها الإخبارية والوثائقية بشكل ارتجالي لا يخلو من ردود الفعل الصبيانية تجاه دول المقاطعة دون أن تضع في الاعتبار الحد الأدنى من الموضوعية، احتراما لوعي المشاهد العربي الذي انفتح الفضاء الإعلامي أمامه على مصراعيه، أكثر مما كان يتخيل في زمن الشح الذي كانت فيه الجزيرة القناة الوحيدة المتخصصة في الأخبار والبرامج السياسية أو على الأقل كي تبدو أكثر إقناعا في تزييف الحقائق وتدرأ عنها هذا الكم الهائل من التهكم الممتد من الخليج إلى المحيط.
مشاركة :