تنامى زخم المطالبة بمساءلة رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي والنظر في سحب الثقة منه إثر اصطفاف عدد من النواب خلف رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي صاحبة المبادرة بعد أن كانت بمفردها في بداية المطاف وسّعت تجاوزات رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي دائرة غضب الأحزاب السياسية بمختلف انتماءاتها الأيديولوجية لتصل إلى أحزاب الائتلاف الحاكم، بعد اتصال الأخير برئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج وتهنئته له باستعادة قاعدة الوطية وهو ما اعتبرته حركة الشعب، شريك الحكم، خدمة للمشروع الإخواني في المنطقة وتعديا صارخا على صلاحيات رئيس الجمهورية المخول الوحيد لإعلان موقف الدولة التونسية. وفاقم إصرار الغنوشي على مواصلة تجاوز السلطة التنفيذية زخم المبادرة التي قدمتها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي لمساءلة رئيس البرلمان وسحب الثقة منه. وانضم النائب عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (يساري) منجي الرحوي إلى رئيسة الحزب الدستوري في مواجهة الغنوشي، وذلك بعد تضامن زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب (قومي) مع موسي (المعتصمة بالبرلمان) وحقها في طلب مساءلة الغنوشي. وقال الرحوي في تصريحات لوسائل إعلام محلية “ستطرح المساءلة ولم لا سحب الثقة من الغنوشي من على رأس المجلس”، وذلك في ردّه على مطلب رئيسة الحزب الدستوري. وأضاف “عريضة مساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي جاهزة وسيتم طرحها في الوقت المناسب”، مؤكدا وجود من يدعمها في إشارة إلى نواب من الكتلة الديمقراطية (حركة الشعب والتيار الديمقراطي حليفا النهضة في الحكم). وتواصل موسي اعتصامها داخل مقر البرلمان التونسي منذ 13 مايو الجاري إثر رفض طلبها بتمرير مساءلة رئيسه على الجلسة العامة للتصويت عليه، فيما قرر المكتب السياسي للحزب التصعيد في احتجاجه. ويأتي قرار الاعتصام تنديدا بطريقة تسيير الغنوشي لدواليب البرلمان واحتجاجا على تدخل نواب حركة النهضة الإسلامية لمنع رئيسة الحزب الدستوري من ممارسة مهامها البرلمانية، علاوة عن المضايقات المسلطة على نواب كتلتها البرلمانية بسبب مواقفهم من تنظيم الإخوان المسلمين. وقرر المكتب السياسي للحزب الأربعاء، في إطار خطواته التصعيدية، تدويل قضية مساءلة الغنوشي عبر مراسلة جميع البرلمانات الدولية انطلاقا من البرلمان العربي وصولا إلى البرلمان الأوروبي والأفريقي وكل المؤسسات الدولية لسحب الثقة من الغنوشي. ويرفض مكتب رئاسة البرلمان الذي يترأسه الغنوشي نفسه النظر في طلب مساءلة الرئيس لانتفاء السند القانوني، فيما يجمع خبراء في القانون على أنه لا أحد فوق المساءلة البرلمانية بما في ذلك رئيس الجمهورية نفسه إذ ينص الدستور التونسي على إمكانية سحب الثقة منه ومساءلته. وعمقت مهاتفة الغنوشي لفايز السراج لتهنئته باستعادة قاعدة الوطية الغضب داخل البرلمان لتفتح بذلك موجة جديدة من الخلافات بشأن المخول للتعبير عن موقف الدولة التونسية من الأزمة الليبية، فيما يرى متابعون أن الغنوشي مصر على تجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية وهو ما ينذر بمزيد تعكر العلاقة بينهما. ولم يعد خافيا البرود في علاقة رئيس الجمهورية برئيس البرلمان، خاصة مع استمرار الغنوشي في لعب أدوار خارجية من خلال الاتصال بشخصيات سياسية من أمثال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس المجلس الدولي في ليبيا خالد المشري، في تعد على صلاحيات حددها البرلمان بأنها تابعة لرئيس الجمهورية دون سواه. وعكس استخدام زعيم حركة النهضة لصفته كرئيس لبرلمان خلال التهنئة إصرارا على الزج بتونس في الصراع الليبي، وهو ما يشكل تحديا للدبلوماسية التونسية التي تعتمد سياسة النأي بالنفس والوقوف على مسافة واحدة من أطراف النزاع. ولا تلقى مساعي النهضة للزج بتونس في المحور القطري التركي الداعم للميليشيات في ليبيا قبولا لدى الأوساط السياسية التونسية التي تحذر من خطورة دعم مخططات إغراق ليبيا في المزيد من الفوضى. وتتهم حركة النهضة بتوريط تونس في النزاع الليبي، وتواترت الأنباء مؤخرا بشأن استخدام البلاد كمعبر لتزويد الميليشيات الليبية بالأسلحة التركية. وقال الأمين العام لحركة الشعب والنائب في البرلمان زهير المغزاوي الأربعاء، في تصريح لوسائل إعلام محلية “بالنسبة لنا هذه المكالمة الهاتفية تندرج في إقحام الغنوشي للبرلمان في سياسة المحاور الإخوانية”، معتبرا أن الموضوع الليبي موضوع خلافي والموقف الرسمي عبر عنه رئيس الجمهورية قيس سعيد حيث أكد أنه لا للاقتتال ولا للتدخل الخارجي في ليبيا ونعم للحوار بين مختلف الأطراف الليبية بهدف إخراج ليبيا من منطقة الحروب. وأفاد المغزاوي “رئيس البرلمان يقوم بأشياء ليست من اختصاصه، فالسياسة الخارجية من اختصاص رئيس الجمهورية ولكن رئيس البرلمان يحاول منذ فترة تجاوز دوره المنصوص عليه في النظام الداخلي للبرلمان وأن يحاذي رئيس الجمهورية ويقحم البرلمان في سياسة المحاور الإخوانية”. وأكد “تسجيل استياء كبير في صفوف عدد من الكتل البرلمانية من تصرفات راشد الغنوشي واستعماله رئاسة البرلمان لممارسة أجنداته الإخوانية”. وتعرف تونس منذ بناء دولة الاستقلال بتوازن المواقف الدبلوماسية وعدم الانجرار لسياسة المحاور والاصطفاف، لكن منذ وصول الإسلاميين إلى الحكم ممثلين في حركة النهضة، تسود مخاوف من انزلاق تونس إلى سياسة المحاور مع دفع تركي قطري لإقحام البلاد في هذا الخندق ضمن أجندة التوسع والنفوذ الإقليمي وإسناد المشروع الإخواني في المنطقة. ويرى متابعون أن الغنوشي يسعى إلى تحويل مركز السلطة إلى البرلمان، ويعمل جاهدا على ذلك من خلال التدخل في صلاحيات السلطة التنفيذية، حيث تخدم هذه المساعي الحثيثة للاستيلاء على السلطة وتحويل وجهتها، أجندات الحركة الإسلامية في الاستحواذ على الشرعية القانونية، فضلا عن التغوّل في إدارة شؤون البلاد. وسبق أن حذّرت موسي من مساعي الحركة الإسلامية للسيطرة على المشهد السياسي في البلاد، تمهيدا لحسن سير أجنداتها المحلية والإقليمية دون رقيب ولا حسيب. واعتبرت أن “التنظيم الإخواني يسعى منذ مجيئه إلى تونس إلى الانفراد بالمشهد السياسي والهيمنة على كل مفاصل الدولة”. ويشدّد الحزب الدستوري الحر على أن برنامجه السياسي يتمثل في إخراج الإخوان من حكم تونس في كنف القانون وبقوة الصندوق وبقوة الحجة وبإنارة الرأي العام بشأن أجندات الإسلام السياسي، وهو ما يربك حركة النهضة وأنصارها.
مشاركة :