الرقابة على الأعمال الدرامية هي من أبرز العراقيل التي تواجه صناعة الدراما الخليجية والعربية على نحو عام. وإذا ما نظرنا إلى المحيط الخليجي، تحديدا، نجد أن الرقابة على المصنفات الفنية تتّخذ أشكالا متنوعة، من رقابة على النصوص قبل تنفيذها، إلى رقابة على الأعمال نفسها بعد تصويرها أيضا. وهذا خلافا للرقابة الذاتية من قبل صناع هذه الأعمال أنفسهم. تشمل الرقابة على الأعمال الدرامية في الكويت أشكالا مُتعددة، من التدخل في سياق الأعمال إلى حذف مشاهد ومقاطع كاملة. أما أكثرها شيوعا فهو التأخّر في إجازة النصوص، فقد تستغرق إجازة بعض النصوص شهورا طويلة، ما يؤثر على عملية الإنتاج الدرامي برمته. ولا يقتصر الأمر على هذا فقط، بل قد يتعرّض الفنانون الكويتيون لملاحقات قضائية يُدان فيها بعضهم أحيانا. هناك عدد من المحاذير الإضافية التي يرى البعض أنها تتّسم بالمبالغة، كالتعرّض للدول المجاورة أو السخرية من إحدى شرائح المجتمع، بل قد يذهب مقصّ الرقيب إلى تفاصيل أكثر شططا كوضع حدود للصورة التي يجب أن تظهر عليها المرأة والفتاة الكويتيتين. وهي صورة ليس لها علاقة بالعري أو العلاقات الاجتماعية المشينة، فلا يمكنك على سبيل المثال أن ترى في أحد الأعمال الدرامية امرأة أو فتاة كويتية تُدخن. ويرى الرقباء الكويتيون أن دور الدراما هو الحفاظ على المكانة الرفيعة للمرأة الكويتية، بحيث لا تظهر في وضع اجتماعي أو اقتصادي مُشين، فلا يمكن أن ترى امرأة كويتية تعمل كخادمة أو نادلة في مطعم مثلا. ولا يخلو موسم درامي من إثارة إشكالية دور الرقابة وحدودها على الأعمال الدرامية، وهو دور يرى البعض أنه يمثل عقبة في سبيل تطور الصناعة الدرامية في الكويت والخليج العربي كافة. اقتطاع جائر في هذا الموسم فوجئ المتابعون للمسلسل الكويتي “آل ديسمبر” المعروض على تلفزيون الكويت بعرض إحدى حلقات العمل وقد اقتطع منها ما يزيد عن الخمس عشرة دقيقة، أي حوالي نصف الحلقة تقريبا، في حين عُرضت الحلقة كاملة على قنوات أخرى خارج الكويت. المشاهد المحذوفة من الحلقة اقتصرت على تلك التي تتعرّض لما يعرف عند الكويتيين بـ”فن القلطة”، وهو فن شعبي قديم يتمثل في محاورة شعرية بين أكثر من شخص، وهذا الفن مرتبط في الأساس بالقبائل البدوية. ما مدى حدود الرقابة على المصنفات الفنية في الكويت، وحدود السخرية في الأعمال الدرامية؟ سؤال يتكرر كل عام ويبدو أن الرقابة على الأعمال الدرامية استبقت الجدل الذي قد يثيره التعرّض إلى فن القلطة بين الكويتيين فقرّرت حذف المشاهد لتظهر الحلقة على نحو مشوّه. ولم يتوقّف الأمر بالطبع على حذف المشاهد، فقد أثار انتقادات من قبل الشركة المنتجة، خاصة أنها لم تبلغها من الرقابة نيّة حذف هذه المشاهد مسبقا. كما أثار الاقتطاع أيضا جدلا واسعا بين الفنانين أنفسهم وصل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، لتُطرح من جديد التساؤلات المُتكرّرة كل عام حول حدود الرقابة على المصنفات الفنية من ناحية، وحدود السخرية في الأعمال الدرامية من ناحية أخرى. ومسلسل “آل ديسمبر” من تأليف بندر السعيد وإخراج نعمان حسين ويشارك في بطولته كل من طارق العلي وجمال الردهان وميس كمر ومحمد الفيلكاوي. أعمال مثيرة للجدل على الرغم من هذه المحاذير الرقابية الصارمة، إلّا أن الموسم الرمضاني هذا العام اتسم بإثارة العديد من القضايا الجدلية، والتعرّض لبعض هذه المحاذير التي استدعت تشكيل لجان للتحقيق فيها، بل وصل الأمر إلى إصدار أمر من وزير الإعلام الكويتي بوقف عمل لجنتي النصوص والمُشاهدة إلى حين البتّ في هذه القضايا الجدلية المُثارة. ومن بين هذه الأعمال، مثلا، يأتي مسلسل “محمد علي رود” الذي أثار حفيظة البعض حين عُرضت الحلقة الرابعة منه متضمنة مشهدا للفنانة هيفاء عادل التي تؤدي دور سيدة من جزيرة فيلكة الكويتية. وفي المشهد تقرّر السيدة الانتقال من الجزيرة هي وابنها إلى منطقة أخرى في الكويت للعمل كخادمة في أحد البيوت، قد يرى البعض أن الأمر يبدو عاديا بالطبع، غير أن المشهد المُشار إليه تسبّب في إثارة غضب أهل جزيرة فيلكة الذين عبّروا عن غضبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتضامن معهم آخرون، حيث رأى البعض أن المسلسل يُظهر سكان الجزيرة كخدم عند الآخرين. ولم يتوقّف الأمر عند حدود وسائل التواصل الاجتماعي بل امتد إلى أروقة مجلس الأمة الكويتي، إذ أعلن عدد من النواب اعتراضهم على تشويه صورة شريحة من سكان الكويت معتبرين أن الأمر متعمّدا، وطالبوا وزير الإعلام الكويتي بتشكيل لجنة للتحقيق فيه، وهو ما حدث بالفعل، إذ شكل وزير الإعلام الكويتي لجنة تحقيق للوقوف على ملابسات الأمر. ولم يكد صناع المسلسل أن يفيقوا من هذا الهجوم حتى فوجئوا بهجوم آخر بعد عرض الحلقة السادسة عشرة منه، والتي تضمنت مشهدا للفنانة فاطمة الحوسني وهي تتضرّع بالدعاء قائلة “يا منجي يوسف من بطن الحوت”؛ مستبدلة النبي يونس في دُعائها بالنبي يوسف، وهو ما أثار مرة أخرى موجة من السخرية والهجوم على المسلسل، الأمر الذي دفع تلفزيون الكويت إلى تقديم بيان اعتذار إلى المشاهدين في ما بعد. وعلى إثر ذلك قرّر وزير الإعلام الكويتي محمد الجبري إصدار مرسوم بحل لجنتي النصوص والمشاهدة اللتين أجازتا المشهد المُشار إليه. مخرج المسلسل مناف عبدال خرج ببيان اعتذار عن هذا الخطأ، معتبرا أن الأمر خطأ منه وحده ولا مجال لانتقاد الفنانة فاطمة الحوسني في ذلك الموقف. لكنه برّر أيضا وقوع مثل هذه الأخطاء بالضغط الكبير الذي تعرّض له صناع الأعمال الدرامية هذا العام في ظل الظروف التي تشهدها الكويت بسبب وباء كورونا. ويثير مسلسل “محمد علي رود” مجموعة من القضايا الهامة التي تعود إلى فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي في الكويت، كما يتعرّض لأول مرة بالتفصيل لعلاقة التجار الكويتيين بالتجار الهنود أثناء تلك الفترة التي شهدت العديد من حالات التواصل والتقارب الاجتماعي بين المجتمعين الكويتي والهندي. ولم يقتصر الأمر هذا العام عند إثارة بعض القضايا الشائكة فقط في الدراما الكويتية، بل أثارت بعض المشاهد والمعالجات التي لا تستند إلى الواقع سخرية البعض أيضا. ففي مسلسل “شغف”، مثلا، للفنانة هدى حسين والتي تؤدّي فيه دور فنانة تشكيلية. نرى الفنانة في هذا المسلسل وقد أصيبت في حادث أعاقها عن الرسم بيدها فتُقرّر الاستعانة بأحد الفنانين الشباب ليرسم بدلا منها لوحات من تصميمها، وهو الأمر الذي أثار سخرية بعض التشكيليين الكويتيين، معتبرين أنه أمر مناف للمنطق بالطبع. أما أكثر الأعمال الدرامية إثارة للجدل في هذا الموسم بالطبع، فهو مسلسل “أم هارون” للنجمة الكويتية حياة الفهد، وهي ضيفة معتادة على الدراما الرمضانية. وتدور أحداث المسلسل في فترة الأربعينات من القرن الماضي، وتؤدي فيه حياة الفهد دور امرأة تحترف مهنة التوليد. والمسلسل من تأليف البحريني محمد شمس وإخراج المصري محمد جمال العدل ويشارك فيه الفنانان عبدالمحسن النمر ومحمد جابر وأحمد الجسمي وفخرية خميس. وأثار المسلسل ولا يزال موجة من الجدل لم تقتصر عند حدود الكويت فقط بل تعدتها إلى المحيط العربي أيضا. فقد كان مادة خصبة للعديد من الأخبار والحوارات والمقالات النقدية، وهذا خلافا للجدل المُثار حوله على مواقع التواصل الاجتماعي. تدور قصة “أم هارون” حول طبيبة يهودية تعيش وسط أهل بلدة في الكويت في فترة أربعينات القرن الماضي، وتواجه تحديات عدة هي وأسرتها والجالية اليهودية. آراء كثيرة تناولت المسلسل بالنقد تارة وبالتأييد تارة أخرى، حتى أن المُتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي دخل على الخط هو الآخر مُشيدا بالعمل باعتباره خطوة هامة في طريق العلاقات العربية الإسرائيلية. ودافع مخرج المسلسل محمد جمال العدل عنه، مُعتبرا أنه مجرد عمل درامي وليس عملا وثائقيا، وأن اليهود كانوا جزءا من نسيج المجتمع الكويتي والعربي في تلك الفترة، قائلا “لا يعقل أن نتعامل مع الأمر وكأنما لم يكن لهم وجود في المنطقة”. وفي المُقابل خرجت أصوات كثيرة تتّهم العمل بالدعوة إلى التطبيع والعزف على نغمة المظلومية اليهودية التي تُرسخها الدعاية الإسرائيلية كمُبرّر لإقامة الكيان الصهيوني. يُذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تُقدّم فيها شخصيات يهودية في الدراما الكويتية والخليجية على نحو عام. وهي المرة الأولى أيضا التي يثير فيها مسلسل كويتي هذه العاصفة من الجدل في المحيط العربي وغير العربي كذلك.
مشاركة :