أكدت الكثير من الدول أن استئناف الدراسة في المدارس لم يعد مطروحا في الوقت الحالي، معلنة بذلك أن العودة إلى المدارس لن تكون قبل بداية سبتمبر المقبل، وجاءت هذه القرارات بمثابة الصدمة للآباء والأمهات في ظل تخوفهم على مستقبل أبنائهم الدراسي بعد توقف الدراسة لأكثر من 6 أشهر وهي فترة زمنية طويلة جدا قد يفقد فيها الأبناء مهاراتهم المعرفية وتعرضهم إلى صعوبات كبيرة للتأقلم مجددا مع الدراسة. لندن- على الرغم من الترحيب الذي لقيه قرار دول عربية بعدم استئناف الدراسة بالنسبة للتلاميذ إلى غاية شهر سبتمبر المقبل نظرا إلى أنه أعطى الأولوية المطلقة للسلامة للتلاميذ الصحية، إلا أنه طرح في المقابل تحديات هامة بالنسبة للآباء والأمهات بخصوص تدبير هذه المرحلة وانعكاساتها على مستقبل أبنائهم، وجعلهم في بحث دائم عن طرق واستراتيجيات لتحفيز الأبناء على الدراسة. وبات المستقبل الدراسي للأبناء يشغل الآباء والأمهات على حد السواء فجائحة كورونا جاءت لتعقد الأمور على التلاميذ ذوي المستوى المعرفي المتوسط والضعيف، ذلك أن المدارس أغلقت أبوابها قبل أن ينهي التلاميذ المقررات الدراسية الرسمية. وجعل هذا الأمر الآباء والأمهات يعيشون في فترة حيرة وتخوف على مستقبل أبنائهم خاصة وأن الأسر في السنوات الأخيرة باتت تولي الدراسة والتعليم أهمية قصوى وتنفق أموالا طائلة على الدروس الخصوصية في سبيل نجاح الأبناء وتميزهم. وعلى الرغم من أن جائحة كورونا خفضت هذه المصاريف وجنبت الأسر الكثير من النفقات، إلا أن ذلك لم يمكنها من الشعور بالراحة لأن الأمر بالانسبة إليها مرتبط بمستقبل أبنائها الذي ترى أنه يرتبط بالتعليم والذهاب إلى المدرسة بدرجة أولى. وقالت المربية وحيدة المسعودي إنه للحد من انتشار الوباء منعت السلطات الرسمية في تونس تلقي التلاميذ للدروس الخصوصية وأردفت قرارها بعقوبات يمكن أن يخضع لها من لا يحترم هذا الإجراء، وهو ما من شأنه أن يزيد في تعقيد الأمور. وأضافت “حتى وإن سمحت للمحاضن باستئناف نشاطها فإن العائلات لم تشجع هذا القرار خوفا على فلذات أكبادها. ووجدت الأسر نفسها بين خيارين أحلاهما مر؛ فإما أن تلزم أبناءها بالحجر المنزلي وهو ما يعني عدم تلقيهم لدروس تدارك أو أن ترسلهم للمحاضن ليتداركوا ما فاتهم وهو ما يعني احتمال إصابتهم أو نقلهم للفايروس”. وأشار العديد من الآباء والأمهات إلى أن أبناءهم يعزفون عن الدراسة والمطالعة في هذه الظروف الغامضة التي فقدت فيها الأسر السيطرة على اهتمامات الأبناء وتوجيههم. وأكدت هالة بن محمود أن بقاء أبنائها في المنزل بسبب الحجر الصحي وعدم تلقيهم للدروس بانتظام وطوال فترة الإجازة المطولة جعلها تعيش هاجس كيفية تعويض أبنائها عن هذا الفراغ التعليمي الذي سوف يطول إلى حوالي الستة أشهر في ظل عدم رغبتهم في تلقي الدروس في العزل المنزلي، مشيرة إلى أنها تسعى إلى البحث عن حلول لتهيئة أبنائها إلى العودة المدرسية في سبتمبر المقبل. وأكد خبراء أن عدم ذهاب الأطفال للمدرسة يتجاوز الملل فيؤثر على قدراتهم الإدراكية والمعرفية وعلى مشاعرهم. عبدالقادر أزداد يؤكد على ضرورة الاهتمام بالجانب التواصلي مع الأبناء لاكتشاف قدراتهم المعرفية ومهاراتهم الحياتية عبدالقادر أزداد يؤكد على ضرورة الاهتمام بالجانب التواصلي مع الأبناء لاكتشاف قدراتهم المعرفية ومهاراتهم الحياتية وأشار خبراء إلى أن تفشي فايروس كورونا أدى إلى تغيير الكثير من الركائز التي بنيت عليها المجتمعات الحديثة ومن بينها انقطاع الأطفال عن المدرسة، وأثار هذا الإجراء مخاوف الآباء والأمهات في جميع الدور العربية التي فرضت هذا الإجراء للحفاظ على سلامة التلاميذ، حيث يرون أن هذه الخطوة لها تأثيرات سلبية طويلة المدى على مستقبلهم الدراسي. وأكد مختصون أن التوقف عن الدراسة بسبب جائحة كوفيد – 19 جعل التعليم يصاب بالضرر الأكبر، مشددين على ضرورة ألا يتوقف الأطفال عن التعلم مع بقائهم في المنزل، حتى لا يفقدوا مهاراتهم المعرفية. وأشار الخبراء إلى أن مئات الملايين من الأطفال حول العالم انقطعوا عن دراستهم في وقت تحاول معظم الدول حل المشكلة بتقديم الدروس عبر الإنترنت، لكن الفجوة الرقمية تفرض نفسها، إذ لا تملك جميع العائلات الوسائل اللازمة لذلك، إضافة إلى عدم جاهزية الكثير من المدارس للتعليم عن بعد، مؤكدين أن التوقف عن الدراسة لعدة شهور يثير قلق الأسر ومخاوفها حول انعكاساته السلبية على أبنائها على المدى القريب والبعيد. وقالت الكاتبة فاليريا ساباتير في تقرير نشرته مجلة “لا منتي إس مرافيوسا” الإسبانية إن الآثار المترتبة على عدم ذهاب الأطفال إلى المدرسة أثناء الأزمة الحالية تتجاوز مجرد الملل أو فقدان التواصل الاجتماعي، إذ قد يعاني أي طفل من آثار سلبية وخيمة على قدراته الإدراكية والمعرفية وعلى مشاعره. وأفادت أن الكثير من الأسر تواجه صعوبات في مواصلة هذه المهمة في المنزل، منبهة إلى أنه إذا كان الدعم من الأسرة كافيا فلن يتأثر الأبناء، أما في حالة عدم توفر الدعم فسيعاني الأطفال من تأخر دمج مهاراتهم. وأوضح المختصون أن عدم إكمال الفصل الدراسي الأخير ستكون له تأثيرات على الأطفال، فهناك محتوى لن يتعلموه، ومواضيع ستظل عالقة، وكفاءات لن تستقر، وتجارب فريدة من نوعها لا يعيشها الأطفال سوى في الفصل الدراسي. كما أن عدم الذهاب إلى الفصل بالنسبة للعديد من الطلاب يعتبر بمثابة عطلة، وبذلك لا يقبلون على التعليم الجدي مما يجعلهم يفقدون الكثير من المهارات المعرفية عند عودتهم إلى المدرسة، وسيعاني من هذا الأمر التلاميذ الذين يتمتعون بقدرات متوسطة أو ضعيفة، مما يعمق معاناة الأسر وخوفها على مصير أبنائها الدراسي. وتواجد الآباء الدائم مع أبنائهم بالمنزل خلال هذه الفترة، أصبح يحتم عليهم إيجاد طرق توازن بين مواكبتهم في مشوارهم الدراسي عن بعد والبحث عن أنشطة موازية، كل ذلك بلغة يطبعها الحوار والحب وبعث الثقة والطمأنينة في النفوس وإشاعة التفاؤل فيها. فالآباء في هذه الفترة الزمنية يمتحنون قدراتهم على التعامل مع هذا الوضع المستجد عليهم وعلى فلذات أكبادهم. وفي هذا السياق، قال الباحث المغربي في علم النفس عبدالقادر أزداد إن ما يجب التركيز عليه في ظل هذه الظروف الصعبة هو “تدبير الزمن الذي يفصلنا عن تاريخ إجراء الاختبارات بالنسبة للتلاميذ الذين تأجلت امتحاناتهم” من خلال “وضع جدول زمني مرن يأخذ بعين الاعتبار التوازن النفسي للتلميذ الذي يجب أن يوازي بين الدراسة والتهيئ للامتحانات وممارسة أنشطة أخرى كاللعب وبعض الأنشطة الثقافية ومشاهدة بعض البرامج التلفزية أو عبر الإنترنت وممارسة بعض الهوايات الثقافية والفنية حسب ما يسمح به الفضاء الذي يعيش داخله”. وأكد أزداد، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، على ضرورة الاهتمام بالجانب التواصلي مع الأبناء وبناء علاقات جديدة معهم لاكتشاف قدراتهم المعرفية ومهاراتهم الحياتية، مع تقديم كل أساليب الدعم والمصاحبة والقرب منهم دون أن يؤدي هذا القرب إلى فقدان الآباء لدورهم الفعلي والرمزي والرئيسي داخل الأسرة. تحديات هامة يواجهها لآباء والأمهات بخصوص تدبير هذه المرحلة وانعكاساتها السلبية على مستقبل أبنائهم الدراسي وحول المنهجية التربوية لتعامل الآباء مع الأبناء خلال مكوثهم في البيت إلى غاية شهر سبتمبر المقبل، يعتقد رئيس قسم علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء أن طبيعة وأسلوب التعامل مع الأبناء يجب أن يأخذا بعين الاعتبار مجموعة من العوامل الأساسية، من بينها الفئة العمرية والجنس والترتيب من حيث السن وسط الأبناء والبنية النفسية للابن. وأشار الباحث إلى أن الأسر المغربية مثل جميع الأسر في العالم، وجدت نفسها لأول مرة أمام وضعية جديدة لم تكن في الحسبان، وهي وضعية الحجر الصحي، مبينا أن المستقبل الدراسي للأبناء في ظل هذه الجائحة، أصبح هاجسا تعيشه أغلبية الأسر، حيث طمأن الآباء والأمهات قائلا “التدبير الجيد للأزمة من طرف المسؤولين سوف لن يؤثر بأي حال من الأحوال على المستقبل الدراسي للتلاميذ، في ظل الحس الوطني الذي يتحلى به الجميع، وبفضل الاستراتيجيات المتبناة التي تصب لا محالة في مصلحة الطالب والتلميذ”. وأضاف أن كل الإجراءات والتدابير التي تم اتخاذها كانت فعالة لتدارك كل ما من شأنه أن يشكل إكراهات في وجه الطلبة والتلاميذ. وخلص إلى أنه على الرغم من التداعيات التي أفرزتها هذه الجائحة، إلا أنها نبهت إلى الكثير من الخيارات التي لم تكن في المسار الملائم، وبالتالي فهي فرصة لإنجاز تقييمات فعالة على مختلف الأصعدة، وإعادة ترتيب أولويات الأفراد والأسر والمؤسسات، حتى تكون أجيال ومؤسسات ما بعد كورونا أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الجائحة. وكشفت منظمة اليونسكو أنه عندما تُغلق المدارس، غالبا ما يطلب من الأهل تيسير تعليم الأطفال في المنزل، وقد يواجهون صعوبة في أداء هذه المهمة، ولاسيما بالنسبة إلى الأهل محدودي التعليم والموارد، مشيرة إلى أن غياب الانتفاع بالتكنولوجيا أو ضعف الربط بالإنترنت يمثل عائقا أمام التعلّم المستمر، ولاسيما بالنسبة إلى الأطفال الذين ينتمون إلى عائلات محرومة.
مشاركة :