جلس عنتر بن شداد بين قومه فإذا بأسدٍ قادم ناحيتهم ، قالوا ياعنترة عليك به فأنت عنتر ، فقال عنتر ، وهل يعرف الأسد أنني عنترة بن شداد . وهل تعرف الزواحف أن هذا مكتب أمير أو وزير ووكيل ومدير أو موظف ، فالقاعدة المتعارف عليها أن المناطق المهجورة الهادئة ترتادها الزواحف صيفا وشتاءا ، ولا تعرف الزواحف وغيرها أن هذا مكتب مسؤول حوله الخدم والجيوش . غاب الجميع عن مكاتبهم شهورا عديدة واليوم يعودون معتمدين على نظافة العمالة التي يتمحور تنظيفها على المواقع المرئية في المكاتب ، ولكن الزواحف تحب العيش في الأماكن الضيقة وتستمتع بمنزلها الجديد المريح ، وتبقى ساكنة إلا من حركات قليلة منها التزاوج والتكاثر في منزلها العامر الهادئ المريح ، وحينما تشعر الزواحف أن قادما جاء مزعجا لمسكنها تظهر له يوما تحت الأرجل وبين أدراج المكاتب وداخل كراتين المعاملات ، وفي خبايا جوانب الحمامات وربما تجدها داخل مكائن السيارات المهجورة في الإدارات خلال فترة هجرة الموظفين بسبب ما عشناه ونعيشه مع هذه الجائحة التي سوف تزول وتعود طبيعة الحياة . ليس لك من الأمر شيئا لا قولا ولا فعلا فيما لا تراه ، وواجبك أن تحذر في خطواتك لعودتك لعملك ، وحان لك أن تبحلق بأركان المكاتب والأسقف وتحذر حينما تبدأ فتح الأدراج ، ولا تفرح واثقا ومعتمدا أن شركة النظافة قد بعثرت التعقيم في كل مكان فكم من مبانٍ وكباري ومنشآت وقعت على أم رأسها في كل مكان ، وقد أشرف عليها كبار المهندسين ولكن التدليس وقع حين غياب الإشراف . لا تزال حقيقة المثل الملموس قائمة بيننا ، فالبيت المهجور يقال يسكنه الجن وتتصدع جدرانه ، وتدخله الزواحف سكنا لها ، وحان وقت خروج الزواحف من أجحارها مغادرة البيات الشتوي مع قدوم الصيف والناس عن مكاتبهم غياب ، وما أجمل أن تجد الزواحف سكنا لا يزعجها به صوت او رقابة ولا أناس ولا عمالة ولا نظافة في كل مكان ، كما أن ضغط الهواء الخارجي قد أستكان بسبب قفل الأبواب ، فتغيّر ضغط الهواء بين الداخل والخارج بالزيادة أو النقصان فتصدعت جدران المباني بعد أن تم إحكام قفل الأبواب ، وتلك هي أسباب أن تهجر المواقع وتسكنها الزواحف والجان ، وتتصدع الجدران . عاد اليوم الموظفون الغائبون عن مكاتبهم منذ عدة شهور ، فلا تتعامل مع مكتبك كأنك غادرته بإجازة الخميس وعدت يوم الأحد فوجدت الحال كما كان ، فكن حريصا في مراقبة الأركان وأدراج المكاتب وزوايا المكان ، فالزواحف لا تعرف أنك شخصية يهاب منك الآخرون وليس كورونا عنا ببعيد فقد هرب من طريقها كل كائن من كان . رجل يسكن في فيلته فماتت أحدى النخيل حزنا لغيابه ، فالنخيل خلقها الله من تربة الإنسان ، وقد قال عنها المصطفى ، اكرموا عمتكم النخلة ، عاد الرجل من سفره ، وبسبب حظر التجّول فقد صعُب إزاحة النخلة من مكانها ، وبعد فترة من الزمن تمكّن العمّال من إزاحة النخلة ، وخرجت من تحتها حيّة رقطاء تبحث عن مكان آخر مهجور دون إزعاج أو نظافة أو معرفة الحال ، وبعض الزواحف لا تسمع ومنها لايرى ومنها يعتمد إحساسه على ذبذبة المكان ، واليوم ينقل اجواء مكتبك الكثير من الذبذبات ، فكن حذرا من الزواحف فلا تغّرنك نظافة المكان . طلال عبد المحسن النزهة
مشاركة :