الخرطوم- فضّل السودان الفصل بين القضايا الخلافية مع إثيوبيا، وطوى مؤقتا انعكاسات الاعتداءات على منطقة “الفشقة” الحدودية، واستأنف حواراته مع كل من أديس أبابا والقاهرة الأربعاء بشأن سد النهضة، بالفيديو كونفرانس، لإيجاد حل ينزع فتيل أزمة أخذت بعدا دوليا. وأكد وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس تواصل الاجتماعات الثنائية مع وفدي مصر وإثيوبيا، كل على حدة، تمهيدا لاستئناف مفاوضات سد النهضة. وعقد السودان اجتماعات مماثلة مع وفدي البلدين مؤخرا، ولم ترشح معلومات محددة حول النتائج التي تمخضت عنها سابقا، لكن دوائر مراقبة رجحت أن تكون اللقاءات تمت في إطار روتيني لكسر الجمود الفني والسياسي، والتمهيد لعقد اجتماعات تتطرق لعمق القضايا الخلافية. ونفت الخرطوم أن تكون المذكرة التي رفعتها الخارجية السودانية إلى مجلس الأمن الدولي الثلاثاء تصعيدا جديدا ضد أي طرف، وجاءت “إثباتا لحق السودان الأصيل في هذا الملف الهام”، لأن مصر وإثيوبيا رفعتا مسبقا خطابات مماثلة لمجلس الأمن في أوائل مايو الماضي. ملف سد النهضة خرج عن الإطار الإقليمي، ويشير وصوله إلى مجلس الأمن إلى اعتراف مباشر بالتدويل وطلب السودان من مجلس الأمن تشجيع جميع الأطراف على تجنب القيام بإجراءات منفردة تؤثر سلبا على السلم والأمن الإقليمي والدولي، ما يتماشى مع مواقف الخرطوم التي ترفض الحلول أحادية الجانب، وتطالب بالتوصل إلى تسوية تراعي حقوق الدول الثلاث. وكان رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك أجرى مع نظيريه المصري والإثيوبي محادثات أونلاين، منذ نحو أسبوعين، قادت حصيلتها إلى استئناف المفاوضات على مستوى وزراء الري. ووعد حمدوك بالقيام بوساطة لتجسير الهوة، غير أن تصريحات مسؤولين في السودان عادت وأكدت أن بلدهم طرف أصيل في الأزمة، ودافعوا عن مصالحه بعيدا عن أي انحيازات لمصر أو إثيوبيا، وباتت الخرطوم كأنها تقف على مسافة واحدة من القاهرة وأديس أبابا. ويجد سد النهضة اهتماما سودانيا حاليا، وظهرت ملامح في تغيير التكتيك التفاوضي، والسعي لتجنب التعرض لخسائر محتملة، وتم رفض ملء خزانه دون تنسيق، والتشديد على ضرورة التفاهم لتقليل الأضرار وتعظيم المكاسب، والاستخدام المنصف والعادل للموارد المائية. وأشارت رسالة الخارجية السودانية لمجلس الأمن إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية. وربط مراقبون بين التطورات التي شهدتها منطقة “الفشقة” الحدودية وبين موقف الخرطوم من ملف سد النهضة، واعتبروا التسخين الذي شهدته وأدى إلى مصرع وإصابة عدد من عناصر القوات المسلحة السودانية على يد عصابات “الشفتا” المسنودة بعناصر عسكرية إثيوبية، يرمي إلى الضغط على الخرطوم، وتوصيل رسالة توحي بأن التنازل هنا يستلزم تنازلا هناك. وقال المراقبون إن ملف سد النهضة خرج عن الإطار الإقليمي، ويشير وصوله إلى مجلس الأمن وقيام الدول الثلاث بتوجيه خطابات إليه، إلى اعتراف مباشر بالتدويل وفتح صفحة جديدة. وقد تستغل إثيوبيا هذا المنحى في استنزاف المزيد من الوقت ليتسنى لها البدء في ملء خزان السد في موعده، يوليو المقبل، لكن أيضا يمكن أن تستثمر مصر والسودان هذا التطور في وضع مجلس الأمن كطرف رابع جديد، بعد تراجع دور الولايات المتحدة. وتحرص الخرطوم على تسريع وتيرة المحادثات قبل أن يتحول السد إلى أمر واقع، وتحدث مفاجآت تضر برغبتها في تغليب الحلول التفاوضية، وتدخل الأزمة نفقا مظلما. السودان يبحث عن مصالحه التي تضمن بناء السد بشكل علمي سليم السودان يبحث عن مصالحه التي تضمن بناء السد بشكل علمي سليم وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب”، أن حمدوك يمارس من خلال المفاوضات ضغوطا على الطرفين المصري والإثيوبي لتقديم المزيد من التنازلات التي تحقق اتفاقا سريعا مشتركا، ولا يزال يؤمن بأن تحركات أديس أبابا يجب أن تتجنب وقوع أضرار مائية على أي طرف، ومنع الضغوط المصرية على أديس أبابا من أن تؤدي إلى عرقلة المحادثات مرة أخرى. وأوضحت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب أن السودان يبحث عن مصالحه التي تضمن بناء السد بشكل علمي سليم، وتحركاته الحالية تستهدف نفي وجود توترات أمنية مع إثيوبيا تؤثر على مستقبل استقرار الأوضاع في المنطقة. وأقرت في تصريح لـ”العرب” بأن موقف الخرطوم شهد تحولا كبيرا مع الحكومة الانتقالية، وأن نظام الرئيس السابق عمر البشير أدار الملف لضمان بقائه على رأس السلطة وليس بما يحقق مصلحة السودان كشريك أساسي في المفاوضات مع مصر وإثيوبيا، والكثير من المواقف التي اتخذها وصبت في صالح أديس أبابا وقفت خلفها دوافع غير وطنية. وأكدت أن السودان لديه رؤية أكثر وضوحا حاليا، تقوم على مراعاة المصلحة الوطنية بما لا يتعارض مع مصلحة البلدين الآخرين، وتستند على مبادئ الأمم المتحدة في حل المنازعات المائية غير المخصصة للأغراض الملاحية، ومنع تضررهما من بناء السد. ويشكك متابعون في قدرة السودان على تحقيق هذا الهدف، ما لم تغير إثيوبيا من تكتيكات التفاوض، وتتجاوب عمليا مع التطلعات العادلة للحل، وإذا تحول التفاوض إلى هدف في حد ذاته وجرى استهلاك المزيد من الوقت، لا أحد يضمن العواقب الإقليمية.
مشاركة :