الصدام بين مصر وإثيوبيا في ملعب مجلس الأمن | محمد أبوالفضل | صحيفة العرب

  • 6/21/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

دعت مصر مجلس الأمن الدولي إلى التدخل في القضية المتعلّقة بسدّ النهضة الإثيوبي الذي يشكّل مصدر توترات إقليمية وتخشى القاهرة عواقبه على إمداداتها من الماء، ويأتي الموقف المصري ردا على تعنت أديس أبابا المصرة على إحداث صدام مع القاهرة بجرها نحو خيار التصعيد. القاهرة - وصلت مصر إلى محطة مجلس الأمن التي لوح باللجوء إليها وزير خارجيتها سامح شكري، وقدمت مذكرة رسمية لبحث أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، مساء الجمعة، عقب تصريحات أدلى بها وزير خارجيتها غيدو أندار غاشيو، أكد فيها عزم بلاده على البدء في ملء خزان السد في موعده، الشهر المقبل، سواء جرى الاتفاق مع القاهرة والخرطوم أم لا. مهدت القاهرة لخطوة مجلس الأمن مرتين، الأولى في بداية مايو الماضي عندما قدمت مذكرة توضيحية للأزمة وتطوراتها، وهو ما ردت عليه إثيوبيا والسودان، كل على حدة. والثانية، الاثنين الماضي، عندما استشعرت أن المفاوضات التي استؤنفت بدعوة من الخرطوم تميل إلى التشاؤم، لاختبار نوايا أديس أبابا، التي أصبحت الثقة بينها ومصر شبه معدومة، وتعتبرها الثانية تميل دوما إلى التعنت والمماطلات وعدم الجدية. خلت مرحلة استهلكت عددا كبيرا من الجولات الماراثونية، وبدأت مرحلة جديدة من أزمة سد النهضة تتوارى فيها الحلول الفنية لتفسح المجال أمام الأدوات الدبلوماسية، والتي لم يغب شبحها طوال الفترة الماضية، كوسيلة دفع تساعد في تسهيل التباحث حول القضايا الفنية. إثيوبيا تبدو وكأنها راغبة في جر مصر إلى مربع المواجهة العسكرية، حيث استنفدت كل حججها الفنية والتنموية وظلت في حدود الحرص المصري البالغ على التسوية الرضائية للأزمة، وقادت إلى محطة سوتشي في أكتوبر الماضي، على هامش القمة الروسية – الأفريقية، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره المصري، عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد. هدأت وقتها أزمة الطرف الرابع، إلى أن استقرت في نوفمبر الماضي في جعبة الولايات المتحدة والبنك الدولي، بعد قبول الأطراف الثلاثة بها، والتي فشلت في فبراير، وتجمد الموقف دون أن يبارح أصحابه المناوشات. كل طرف يلقي المسؤولية على الآخر. ولم تغير إعادة تموضع السودان من الأزمة كثيرا في مساراتها التي ازدادت سخونة مع كل تصريح يصدر من القاهرة أو أديس أبابا. المربع العسكري بدت إثيوبيا كأنها راغبة في جر مصر إلى مربع الحرب العسكرية، حيث استنفدت كل حججها الفنية والتنموية والاجتماعية، ووجدت أن القاهرة لا تنكر عليها هذه الحقوق، كل ما ترجوه التوصل إلى حل عادل ومنصف لجميع الأطراف، والتقيد باتفاق واضح ومحدد وملزم، وهو ما ترد عليه إثيوبيا بالتملص، وترديد الكلام حول “النهر ينبع من أراضينا، والمياه من حقنا، ووحدنا نتحكم في الطريقة المناسبة لاستثمارها”. كانت هذه أهم المفردات التي استخدمها، ولا يزال، المسؤولون في أديس أبابا، والتي تخلو من الضوابط التي حددتها قوانين الأنهار، والقوانين الدولية عموما في مثل هذه الحالات، ولم تظهر علامات تؤكد المناقشة الموضوعية. عقب كل خطوة للتقدم، كانت إثيوبيا تعود خطوتين إلى الوراء، بما يعني أنها لا تريد توقيع اتفاق يظهرها في وضع من رضخت للضغوط المصرية، وقبلت ما أسمته “ابتزاز” القاهرة، وراهنت على استهلاك الوقت كغاية تفاوضية، جعلتها على بعد خطوات من هدفها في تدشين السد. استنزاف الطرق السياسية التقليدية لحل الأزمة استنزاف الطرق السياسية التقليدية لحل الأزمة تجنبت مصر الإشارة رسميا إلى حل الأزمة بالطرق العسكرية، بينما سعت إثيوبيا بكل السبل إلى هذا المنحى الذي استمدت منه قوة دفع في الداخل، غطت على كثير من المشكلات المناطقية والسياسية، ووفرت غطاء شعبيا لحكومة يرى كثير من المواطنين أنها لم تكن على مستوى التوقعات في حل الأزمات المتراكمة. وصلت إثيوبيا إلى قمة الجبل في أزمة المياه مع مصر، وهي لا تعلم كيف ستهبط منه، في ظل رفض تقديم تنازلات وعدم التجاوب مع الحلول المعروضة من جهة الوساطة التي ارتضتها، الولايات المتحدة والبنك الدولي، حتى التجاوب مع مطلبها الملحّ بشأن وجود رقابة من قبل الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في الجولة الأخيرة نقضته وأعلنت عدم حاجتها إليهما. فسر البعض من المراقبين تصميم إثيوبيا على الصدام كلما أوشكت المفاوضات على النجاح بما هو أبعد من الكرامة والاستقلال الوطني والتعبئة والتوظيف السياسي الداخلي، حيث أشارت بعض الدراسات إلى وجود عيوب فنية في جسم السد سوف تظهر بعد تشغيله، من الممكن أن تعرضه إلى الانهيار مستقبلا، وبالتالي تتحمل هذه الحكومة الطامحة في البقاء فترة طوية تبعات وارتدادات ذلك، ما جعلها ترغب في استفزاز مصر للإقدام على ضربه عسكريا، وتظهر في ثوب ضحية “البطش” المصري، فتكسب داخليا وخارجيا، وتعاد هندسة المنطقة بناء على ما تفرزه خطوة من هذا النوع. استدعى آخرون نظرية المؤامرة لتسعفهم في تفسير الإصرار الإثيوبي على جر القاهرة إلى مربع الحرب، ووجود علاقات خفية بين أديس أبابا وكل من قطر وتركيا، وربما غيرهما، وعمليات تحريض مستمرة كي تنشغل مصر بأزمة سد النهضة، بما يأتي على حساب الأزمة الليبية المشتعلة على مقربة من حدودها الغربية، فتحقق الدوحة وأنقرة أطماعهما، اعتمادا على أن موقف القاهرة سيكون باردا في ليبيا، بعد شغلها بمعركة الوجود المتعلقة بالمياه. بصرف النظر عن مدى نجاعة التقديرين السابقين، فمن يؤيدانهما يفترضان أن مصر تتصرف بطريقة عشوائية في القضايا التي تمس الأمن القومي، ولم يلتفتوا إلى مدى الحذر والتريث والصبر الذي يخيم على تصرفات قيادتها السياسية، والتي تتجنب بشكل واضح خوض حروب خارج أراضيها، وتتهيأ عسكريا بطريقة توحي أنها مستعدة للحرب في أي وقت، ولديها مقاييس للتحديات التي تواجهها على جبهات كثيرة وأولويات كل منها. التمسك بالحلول السلمية اللجوء إلى مجلس الأمن يجمد أي خيار عسكري اللجوء إلى مجلس الأمن يجمد أي خيار عسكري تشعر دوائر مصرية أن فائض القوة الذي تملكه يزعج جهات متعددة، بعضها تصور أن تخزينه سيوجه إليها في لحظة ما، وفي مقدمتها إثيوبيا، وتتعامل معه بحساب عميق، مستفيدة من تجارب التاريخ ودروسه في خوض حروب على مسافات بعيدة، أو اتخاذ إجراءات من شأنها منح خصومها حق استهدافها وتجريدها من قوتها العسكرية، ووقف مشروعاتها التنموية، الأمر الذي فرض عليها تغليب الحلول السياسية في الأزمتين الحيويتين حاليا، ليبيا وسد النهضة. تعلمت مصر من خبراتها السابقة أن التوازنات الإقليمية والدولية حاضرة في كل الأزمات التي تخوضها أي دولة، ولا بد من مراعاتها، فمهما كان هناك شرود أو خرق للقواعد المعمول بها دوليا من قبل البعض، من الضروري أن يركن أصحابه إلى تفوق عسكري مطلق، وهذا يتسنى فقط للدول العظمى، أو ضوء أخضر وحماية منها، كما يحدث مع تركيا في ليبيا، فهناك مصالح متشابكة مع غيرها، توافرت في لحظة معينة، مكنتها من تجاوز عقبات الجغرافيا والحدود والخرائط. ثمة طريق ثالث للدول التي تدافع عن مصالحها، وهو ما ينطبق على الحالة المصرية، ويتعلق بمراعاة المواءمات والتقديرات الدولية، كي لا تقع في فخ تناقضات غير ظاهرة، ويتطلب ذلك الالتزام بحزمة من القوانين الدولية ذات الصلة، واستنزاف الطرق السياسية التقليدية، ومخاطبة المنظمات المعنية على المستوى الدولي، فإذا نجحت في التصويب وحل الأزمة ربحت هذه الدولة، مجلس الأمن في حالة مصر مع سد النهضة، وتوجد أزمات عديدة ولجت هذا المسار ونجحت، وإذا فشلت سوف تكون لديها مبررات كافية لاستخدام الحلول الخشنة. يواجه طريق مجلس الأمن الذي قررت القاهرة اللجوء إليه مجموعة من المطبات، أبرزها حاجته لبعض الوقت لحين الحصول على موقف منه، إيجابي أو سلبي، فالمجلس يتعين عليه تشكيل لجنة فنية لدراسة الأزمة، والتوصية بالعودة لطاولة المفاوضات، أو تحويل الأزمة لمحكمة العدل الدولية، آو صدور قرار ملزم، يكون وقتها السد شق طريقه للتشغيل، وحققت إثيوبيا هدفها، وهنا تظهر معضلة أخرى تحتاج إلى تسوية مناسبة. وهي معضلة القبول بالأمر الواقع. كما أن الثقة (الغرور) التي تتصرف بها أديس أبابا تشير إلى أنها مسنودة على قوى كبرى، أو على الأقل لديها من يدعمها في مجلس الأمن لاستخدام الفيتو، أو الموافقة على صدور توصية أو قرار مخفف، لا يحقق أي منهما هدف مصر من الخطوة، ويضيق عليها الخناق في القوة العسكرية، خاصة إذا جاءت الصيغة مطاطة وتحض على التفاهم، والعودة إلى المسار التفاوضي بعد ضياع وقت طويل. الأهم، كم من قرارات صدرت من مجلس الأمن، بحق فلسطين وضد إسرائيل، ولبنان والصومال والعراق وسوريا واليمن وإيران، إلخ، ولم تجد طريقها للتنفيذ، بمعنى أن الدخول في هذا الطريق يحمل في طياته عوامل غير مضمونة النجاح، ويدخل الأزمة مجالا جديدا، عنوانه استهلاك المزيد من الوقت، إلا إذا كانت القيادة المصرية مقتنعة بوجود عيوب فنية في جسم السد، فيصبح الزمن لها لا عليها. علاوة على أن اللجوء إلى مجلس الأمن يجمد أي خيار عسكري تعتزم مصر تبنيه خلال هذه الفترة، فليس مقبولا استخدامه والقضية معروضة على القوى الكبرى، وبعضها (روسيا والولايات المتحدة) على علم بكل تفاصيلها، ولم تمارس أي منهما ضغوطا على إثيوبيا لتعديل، وليس تغيير، موقفها في الأزمة، ومرجح أن يكون هذا حالهما في مجلس الأمن. يبقى فقط الرهان على عاملين، أحدهما أن مصر لديها بعض الأوراق الخفية والمؤثرة في حسم الموقف لم يحن وقت ظهورها، أو تدخل عصر الصفقات السياسية والعسكرية والاقتصادية مع دول كبرى، ظلت طويلا تتجنبها. وخطورة الاتجاه الأخير أنه يحسم خياراتها وينهي فترة الاستقلال والابتعاد عن المحاور والانفتاح مع وعلى الجميع.

مشاركة :