د. هادي التونسي يكتب: ملائكة في حياتنا

  • 6/4/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل تعاملت إن لم تكن عاشرت اشخاصا مثل هؤلاء :أولا : أحد الوالدين أو الجدود كان مثالا للحنان و الرحمة و العطف و الرعاية, فشعرت معه بأمان و سكينة, و كان لك ملجأ و معينا في كل أوقات الشدائد واليأس, سواء فهمت أعماق ودوافع هذا الشخص أم لا, و سواء منحته ما يستحق من فهم ومشاركة وإرضاء وإشباع, أم تعودت علي ما يعطيه إياك, ولم ترد بكامل التقدير والإعجاب قبل أن يرحل عن دنيانا ؟.ثانيا: أحد الأبناء أو الأقارب الشباب الذي تلمست فيه تميزا و نضجا غير مألوف لسنّه, و ربما تكون قد رعيته أو ربيته قدر الاستطاعة, و تعجبت أو فرحت لملكات من الحس و الحكمة و الإبداع, جلبت له النجاح الباهر و حب الجميع, و لكنك مع ما منحته لم تدرك أن أعز ما أراده طفلا هو وقتك, فاكتفيت بالرعاية و المحبة, و نظمت وقتك وفق مقتضيات مصالحك وواجباتك وليس احتياجاته هو قبل أن يشب و يهاجر لبلد آخر, أو ينشغل بحياته بعيدا عنك, و يضن عليك بوقته و أنت كهل مثلما تعاملت معه وهو طفل؟.ثالثا : أحد الأصدقاء أو الأقارب أو الزملاء الكبار, الذي ربما تكون لاحظت سكينته وحكمته و صفاءه وعطاءه في صمت,ولكنك لم تعتن باستكشاف أعماقه و دوافعه بموضوعية محايدة, بل ربما كانت لك أحكام مسبقة أو متسرعة, لا تري في الأخر ما هو أكثر وأعمق و أكبر مما لديك, أو صنعت منه نموذجا غير قابل للتكرار, ومررت علي شأنه مرور الكرام , فتركته وحيدا لا ينتظر فهما ولا تقديرا, يمنح في تجرد , و يخدم دون مقابل, و يعيش قدوة حتي ان لم يفهمه و يتبعه إلا قلائل؟.هل أدركت بعد فوات الأوان حجم ما فقدته من الدنيا, إن لم تعش و تتمثل نبل هؤلاء, و إن لم تتمتع بعمق إدراكهم و رفاهة إحساسهم، وإن لم تتعلم مما لديهم, و تطبقه في حياتك, فتفهم مثلما فهموا, وتحب مثلما أحبوا, و تمنح مثلما منحوا , و أعطوك؟  فجانب من قيمة العلم و الدروس و  الحكمة أن تعرفه في أقرب وقت , لتطبقه حينما تحتاجه, و تتمتع بجدواه لأطول فترة من حياتك, و جانب من العدل أن تعطي لهؤلاء ما يستحقونه من وقت و تقدير و مشاركة و خدمة و رعاية لترضي عن نفسك وعن مسار حياتك, و تتقبل الحكمة الإلهية, إن اختارت أن تبعدهم عن دنياك لسبب أو لآخر.ملائكة هم أم لا، أمر متروك لإدراكك و رأيك, لكنهم بالقطع اكتسبوا صفات تعدت المعتاد مما نراه لدي البشر, وضعهم القدر في طريقك لحكمة قد ندركها أم لا, فهم أعطوا , و ألهموا, و أناروا طريق الخير و الكمال, و أثاروا لدينا تساؤلات عن القدوة الصامتة, تدفع للتبصر و النضج, إن تفتحت عقولنا, و تعاملنا بقلوبنا, و صدقنا الحدس فينا, و تواضعنا لحيرة الاستكشاف و صبر اليقين, لندرك ونشعر ما لم نتعوده, و لم يكن في الحسبان, ولنسلك الطريق الذي أناروه لحكمة إلهية و بدوافع ملائكية.وجود هؤلاء في حياتك مشعل علي طريق الحب الإلهي , فكيف يكون تقديرك وعرفانك للمنحة الالهية كاملا, يدفعك لتقدير صفات جلاله و التسليم بحكمة قدره إن لم تدرك صفات من نفخ فيهم من روحه, واصطفاهم بما هو أنبل و أعمق من المألوف لدي البشر؟ وكيف تسلم بقدر الحياة و الموت لك إن لم تسلم به عمن رحلوا من دنيانا, و أحببتهم, فرحيلهم يذكرك أن الحياة منحة مؤقتة, وأن الحاضر كنز تنهل منه ما استطعت لتكون نوعية حياتك ومشاعرك و أقولك و أعمالك هي أفضل الممكن؟  فهل تشعر بالأسي لأن هؤلاء رحلوا عنا في حياة هي زائلة بطبعها, أم تشكر ربك أن وضع هؤلاء في طريقك؟ و هل رحل حقا من اختارهم الله الي جواره ,أم ما زالوا يعيشون في عقلك و مشاعرك, في روحك و وجدانك؟ هذا سؤال تجيب عنه بنفسك واختيارك.

مشاركة :