كما يحق لنا أن ننتقد كل تقصير وإهمال يحق لنا أن نفخر بكل إنجاز ونشيد به، انتهى موسم الحج لهذا العام وحقق نجاحاً وتميزاً من حيث التنظيم وقلة عدد المتسللين والمفترشين للأرصفة وبدون حوادث ولله الحمد، ومع هذا يقول رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل إن النجاحات التي تحققت هذا العام لا تعني أننا وصلنا إلى طموحات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وإلى تطلعات جميع المواطنين، وهذا هو ما يجب أن ينصبّ عليه فكر كل مسؤول وجهده، فلا حدود للنجاح ولا زمن للتطوير، وقد أسهم في نجاح هذا الموسم جهود كثيرة من إمارة منطقة مكة المكرمة ووزارة الداخلية ووزارة الحج ووزارة الصحة وتقليل عدد حجاج الداخل والخارج، وكان للحزم والمتابعة أكبر الأثر في هذا النجاح. نجح حج هذا العام ومن العدل أن نشيد به ونشكر القائمين عليه، وأن نتطلع إلى مواسم أفضل في الأعوام القادمة، مع التركيز على انسياب الحركة ونظافة المشاعر مكة المكرمة والمدينة المنورة هما أقدس البقاع على وجه الأرض لكل المسلمين، وأمنية كل مسلم أن تتاح له فرصة الحج والعمرة والصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد تشرفت المملكة بالقيام عليهما وخدمة زوارهما والصرف عليهما بسخاء ولتكلل الجهود ونصل إلى ما نصبو إليه أسوق المقترحات الآتية: أولاً : رغم أن خطة تطوير مكة المكرمة تنطلق من رؤية بعيدة تمتد لأكثر من خمسين عاماً تشمل كل ما له علاقة بالحجاج والمعتمرين والزئرين على مدار العام، إلا أنني أعتقد أنه من الضروري أن يكون ضمن هذه الخطة بناء مطار خاص بمكة المكرمة ليكون مسانداً لمطاري جدة والطائف وخصوصاً في موسم الحج المحدد بوقت في القدوم والمغادرة خصوصاً مع زيادة عدد الحجاج في الأعوام القادمة مع التخطيط لربط المطار مع الحرم بطرق سريعة ونقل عام وخدمات متكاملة بحيث يصبح مطاراً مسانداً ومفضلاً لكل مسلم مقتدر يسافر من غرب الكرة الأرضية إلى شرقها أو العكس، مما يعني المزيد من فرص أداء العمرة إضافة إلى فوائده الاقتصادية الكثيرة التي ستسهم في تعدد مصادر دخل المملكة، ونفس الشيء ينطبق على المدينة المنورة التي تحتاج إلى أكثر من مطار، وأكثر من طريق إلى الحرم وبنية تحتية للنقل العام تستوعب التوسعة للمئة عام القادمة. ثانياً: وزارة الداخلية تمر بتطوير غير مسبوق، وتتحول سريعاً إلى استخدام التقنية والحكومة الالكترونية للتسهيل على المواطن والمقيم، وتقوم بجهود كبيرة لنجاح موسم الحج وتأمين سلامة الحجاج ومنع المتسللين من حجاج الداخل، ومن يفترشون الأرصفة في المشاعر ويشكلون عقبة أمام انسياب الحركة، لكن إمكانات المرور والشرطة لا تزال دون مستوى الطموحات وخصوصاً التعامل بحزم مع المخالفين والتقليل من استعمال مكبرات الصوت التي تستخدم بكثرة ولا تدل على الاحتراف في أداء العمل، وأعتقد أننا بحاجة إلى التركيز على الاستثمار في الفرد بدءاً بحسن الاختيار ثم التدريب النوعي والابتعاث ثم المتابعة والثواب والعقاب، ورغم نجاح حج هذا العام إلا أن التسلل إلى مكة سيستمر، كما أن حملات الحج الوهمية تعد من أكثر مشاكل الحج وتديرها عمالة يتستر عليها مواطنون بلا ضمائر وحالما تتحرك الحملة يقفلون هواتفهم بعد استلام الأموال من ضحاياهم، هؤلاء يجب كشف ألاعيبهم والتشهير بمؤسساتهم وبأسمائهم، فما ذنب مسكينة دفعت الكثير لأداء فريضة الحج وتفاجأ بتبخر آمالها ومالها. كما أن بعض المواطنين والمقيمين يحجون في كل عام تحت أعذار ومسميات مختلفة، لكنني على يقين أن وزارة الداخلية بما تمر به من تطوير واستخدام للتقنية قادرة على كشف المتلاعبين والمزورين ومجازاتهم بضربات استباقية قبل أن يحطموا آمال المساكين ويزيدوا معاناتهم. ثالثاً: تعاني مكة المكرمة والمشاعر من تدني مستوى النظافة بسبب تهاون الحجاج بهذا الجانب وأكثرهم يتخلص من بقايا الأكل والشرب في الشارع وعلى الأرصفة وحتى في داخل الحرم رغم أن حاويات القمامة موجودة على بعد أمتار، والسبب غياب الوعي وقلة المراقبة وعدم تطبيق الجزاءات الرادعة، والواجب أن تكون مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة من أنظف المدن على وجه الأرض وهذا لن يتم إلا بوجود المراقبين في كل مكان وتحرير الجزاءات الرادعة، وهذا هو ما جعل مدينة مثل سنغافورة تصبح مضرب المثل في النظافة، يقول أحد الطلبة الذين يدرسون هناك: أُعْطيِتُ مخالفة بخمس مئة دولار لأنني رميت عقب السيجارة في الشارع، بعدها صرت أنا وزملائي من أكثر الناس حرصاً على اتباع النظام، التوعية والمتابعة والجزاءات ضرورية لحفظ النظام والنظافة في كل مدن المملكة. رابعاً: بعد انتهاء التوسعة سيتضاعف عدد الحجاج مما يعني ضرورة إيجاد حلول تسمح بالاستفادة من المشاعر على مدار الساعة وعدم التضييق على الحجاج بأخذ الرأي الواحد فيما يكون فيه اختلاف بين العلماء وليس من الأمور القطعية، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين سئل: أفضتُ قبل أن أرمي، قال له صلى الله عليه وسلم: إرم ولا حرج، ومن التسهيل رمي الجمرات في أي وقت، وعدم إلزام الحجاج بطواف الوداع، فمذهب مالك يراه سنة لمن يستطيع، فالاختلاف رحمة وتسهيل على الحاج وحلول مناسبة لتخفيف الزحام. نجح حج هذا العام ومن العدل أن نشيد به ونشكر القائمين عليه، وأن نتطلع إلى مواسم أفضل في الأعوام القادمة، مع التركيز على انسياب الحركة ونظافة المشاعر وجعل مكة والمدينة في مقدمة مدن العالم من حيث التخطيط والتنظيم والقدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين الراغبين في زيارة المدينتين.
مشاركة :