الابتعاث فرص لا تتكرر - عبد الله عبد الكريم السعدون

  • 11/20/2013
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

أحسنت المملكة في ابتعاث آلاف الطلبة والطالبات للدراسة في الدول المتقدمة، لكن الاستفادة منهم يجب أن تنطلق من خطة استراتيجية تنقل المملكة من دولة نامية يتواضع فيها مستوى الخدمات وتعيش على مصدر واحد ناضب إلى دولة متقدمة تتعدد فيها مصادر الدخل ويعيش فيها المواطن في رفاه وخدمات متميزة طلب الأب من ابنه ذي الخمس سنوات أن يركب معه في المقعد الأمامي للسيارة، لكن الطفل قال لوالده بكل ثقة: لا أستطيع الركوب في المقعد الأمامي، سوف أركب في الخلف، سنّي لا يسمح بذلك، حين أبلغ عشر سنوات أستطيع. سأله والده: من علّمك ذلك؟ أجاب: حضر رجل المرور إلى الفصل وشرح لنا النظام وخطر الركوب في المقاعد الأمامية، وشرح لنا كيف نعبر الطريق بأمان، كان هذا حديثاً دار بين طالب سعودي وابنه في الولايات المتحدة الأمريكية. حين تبتعث الدولة أبناءها للدراسة في جامعات الدول المتقدمة فليس السبب نقص المقاعد في جامعات المملكة، وليس لأن المسائل الرياضية والنظريات العلمية تختلف في جامعاتهم عن جامعاتنا، فالرياضيات هي الرياضيات لكن توظيفها والاستفادة منها يختلف حسب قوة الجامعة وكفاءة أعضاء هيئة التدريس وتوفر المعامل والمختبرات، كما أن البيئة العلمية والثقافية مختلفة أيضا. ومن أهم أهداف الابتعاث اكتساب سلوك مختلف يحترم الوقت ويوظفه بشكل أفضل، ويقدر العمل ويحترم النظام في الشارع وفي العمل وفي الأماكن العامة، كما تأمل الدولة أن يتأثر المبتعثون بالروح المعنوية العالية للأساتذة وصبرهم وتفانيهم في إيصال المعلومة إلى الطالب وتركيزهم على البحوث العلمية، ليعودوا إلى الوطن بعد انتهاء المدة وقد أصبحوا أفضل مما كانوا حين غادروه. وقد قابلت الكثير من الطلبة المبتعثين ووجدت لديهم الحماس والشعور بالمسؤولية تجاه رفعة الوطن والامتنان لمن كان السبب في ابتعاثهم، وكان سؤالهم المتكرر: كيف نسهم في التغيير مع وجود أغلبية لا تريد ذلك أو تجهل أهميته؟ سوف نواجه بمسؤولين يضعون كل اقتراح نقدمه في سلة المهملات،وقد نجد زملاء سبقونا يتهكمون علينا لحماسنا وغيرتنا، وسوف نعتاد منذ الأيام الأولى على فوضى الشارع وتعديات السائقين ورعونتهم، سوف نقضي الكثير من الوقت في دوامة الروتين القاتل للوقت وسننسى كل ما تعلمناه خلال مدة الابتعاث. والحقيقة أنهم محقون في ذلك، وما لم نمكنهم من توظيف ما تعلموه فإن الوطن سيخسر فرصة قد لا تتكرر لنقل المملكة من دولة نامية تعتمد على مصدر واحد ناضب إلى دولة متقدمة يعمها الرخاء والاقتصاد القوي وتطبق فيها الأنظمة على الجميع بكل حزم ومتابعة مستمرة، ومن وسائل تحقيق ذلك اتخاذ الخطوات الآتية: أولاً: تمكين حملة شهادات الدكتوراه من العمل في المجالات التي تناسب تخصصاتهم وهي التدريس والأبحاث، بدلاً من تكليفهم بأعمال إدارية يؤديها من لديه شهادة جامعية أو خبرة، وقبل أسابيع التقيت مجموعة من حملة شهادة الدكتوراه لديهم لقاء شهري يجمع خريجي جامعة مرموقة في دولة متقدمة وليس فيهم من استثمر شهادته في التدريس أو الأبحاث العلمية، يقول أحدهم: حاولت أن أوضح ذلك للمسؤول لكنه أصر على قيامي بالعمل الإداري والآن بدأت أتأقلم بل وأستحسنه لسهولته، ولكن ليس هذا هو الهدف من الابتعاث فما نقوم به من أعمال إدارية لا يوازي ما بذلناه من جهد وما صرف من المال العام. الواجب أن يكون لدينا مراكز أبحاث تدعمها الدولة والشركات الرائدة ولا تخضع للقيود المالية والإدارية وتحولها الشركات إلى منتجات تجارية وخصوصاً في مجالات الطاقة وتحلية المياه ومكافحة التصحر والزراعة والتقنية بشكل عام، قدر المملكة أن تصبح دولة صناعية تصدر ما تنتجه سواعد وعقول أبنائها بدلاً من تصدير ثروة ناضبة، شركة واحدة مثل سامسونج تصرف على الأبحاث أضعاف ما تصرفه الدول العربية مجتمعة، لكنها تجني النتائج مضاعفة أيضا. ثانياً: يمكن توظيف آلاف المبتعثين في شركات كبيرة ترتقي بالخدمات التي تقدم للمواطن كالمرور خصوصاً أن هذا المرفق من أهم المرافق التي تحتاج إلى تطوير وإصلاح عاجل ودعم بالكفاءات المتميزة مع الاستعانة بالخبرات الأجنبية، إن من يسير في شوارع وطرق المملكة ويشاهد ما يحصل بها من تعديات وحوادث مؤلمة ووقوف خاطئ ونقص وسائل السلامة، وما تحتاجه معاهد المرور والشرطة ومدارس تعليم القيادة من تطوير يعلم أنه لابد من عنصر بشري مدرب وبيوت خبرة عالمية وشركات متخصصة للنهوض بهذا المجال الذي سيعود بفوائد كثيرة على الوطن والمواطن، من أهمها تعزيز الأمن وحفظ الأرواح وإخلاء المستشفيات من ربع شاغلي أسرّتها وتوفير مليارات الريالات التي تهدر على العلاج وتلف السيارات واستهلاك قطع الغيار. ثالثاً: من الواجب حث المبتعثين على الانخراط في الحياة العامة في دولة الابتعاث للاستفادة مما لديهم من أنشطة ثقافية واجتماعية ورياضية وعلمية، كما يجب تشجيعهم على العمل ولو لساعات كل أسبوع في المؤسسات والمطاعم والخدمات، أما إذا اقتصرت جهود المبتعث على المحاضرات فقط وترك الأنشطة الأخرى التي تقام في الجامعة وفي المدينة فلن يستفيد الفائدة القصوى، لقد رأيت مبتعثي الدول الأخرى يمضون الكثير من الوقت في مكتبة الجامعة وفي المعامل ويعمل الكثير منهم في مؤسسات الخدمة الاجتماعية متطوعين، ويعملون في المؤسسات التجارية والمطاعم لكسب الخبرة والمال. أحسنت المملكة في ابتعاث آلاف الطلبة والطالبات للدراسة في الدول المتقدمة، لكن الاستفادة منهم يجب أن تنطلق من خطة استراتيجية تنقل المملكة من دولة نامية يتواضع فيها مستوى الخدمات وتعيش على مصدر واحد ناضب إلى دولة متقدمة تتعدد فيها مصادر الدخل ويعيش فيها المواطن في رفاه وخدمات متميزة، الوفرة المالية التي تتمتع بها المملكة قد لا تستمر طويلاً، لذا لا بد من تكثيف الجهود لتعظيم الاستفادة منها ومحاولة إطالة أمدها.

مشاركة :