الميزانية ومبدأ بريتو - عبد الله عبد الكريم السعدون

  • 1/15/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

محمد شاب يحمل شهادة عالية ويعمل في مؤسسة خاصة، يدفع أربعة آلاف ريال شهرياً لتدريس أبنائه الثلاثة، ومثل هذا المبلغ يدفعه إيجار شقة، ولولا التأمين الطبي لاضطر لدفع مرتب شهر كامل تكاليف عملية عاجلة لأحد أبنائه في مستشفى أهلي. مبدأ بريتو يقول إن 20% من الأسباب تحقق 80% من النتائج، وهذا يعني أن نبحث عن أهم الأسباب التي تمثل 20% وتحقق نسبة 80% أو ما يقاربها من النتائج لنركز عليها بدلاً من بقية الأسباب، وهذا القانون ينطبق على أمور كثيرة في مجالات الحياة والمعاملات. فعلى سبيل المثال 20% من أسباب الحوادث كالسرعة وقطع الإشارة تتسبب في 80% من الحوادث، وفي عالم المال يمتلك 20% من الأفراد ما قيمته 80% من الثروات أو ما يقاربها، ويؤدي20% من الموظفين 80% من الأعمال وهكذا. أكثر ما يشغل بال المواطن ويؤثر فية، الوظيفة، السكن، التعليم الجيّد، والخدمات الصحية وهي أكثر الأمور تأثيراً، مما يعني أنه لو تم التركيز على هذه المتطلبات الأربعة لتحقق الكثير من الإنجاز خلال سنوات قليلة وحين نعود إلى صاحبنا وهو مثال لمواطن من الطبقة المتوسطة تستنزف ثلاثة التزامات؛ هي السكن والمدارس والعلاج أكثر من نصف مرتبه، مما يعني أن التركيز عليها وحلها سيحقق من النتائج أضعاف ما تحققه زيادة بسيطة في مرتبه. وأكثر ما يشغل بال المواطن ويؤثر عليه هي الوظيفة والسكن والتعليم الجيّد والخدمات الصحية وهي أكثر الأمور تأثيراً، مما يعني أنه لو تم التركيز على هذه المتطلبات الأربعة لتحقق الكثير من الإنجاز خلال سنوات قليلة. في بداية كل عام تصدر ميزانية المملكة وهي بكل المقاييس كبيرة، ولو تم ترشيدها وتعزيز دور الرقابة عليها لغطت كل البنود المهمة من تعليم وصحة وخدمات متميزة ووظائف مجدية وتنويع مصادر الدخل، وقد أدرك المسؤولون عنها أهمية التعليم والصحة فكان لهما نصيب الأسد، إلا أن النتائج تبقى دون مستوى تطلعات المواطن ودون طموح القيادة السياسية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الذي خاطب الوزراء بكلمات صادقة ونابعة من القلب ليحثهم على خدمة المواطن والإخلاص في العمل. والمملكة تعيش سنوات من الوفرة المالية، لكنها لن تستمر طويلاً لاعتمادها على مصدر واحد ناضب يخضع لتقلبات السوق؛ لذا علينا أن نستثمر هذه الوفرة بكل حرص وذكاء وإخلاص، ومما يعين على أداء هذه المهمة تطبيق مبدأ بريتو وكمثال أسوق الخطوات الآتية: أولاً. يستأثر التعليم بما يصل إلى ربع ميزانية الدولة وهو بلا شك يستحق ذلك، لكن النتائج لا تتوافق مع ما يصرف عليه، ولو تم التركيز على المعلم وحسن اختياره وإعداده وتأهيله وتكريمه ومحاسبته ثم الأخذ بما لدى الدول المتقدمة من مناهج علمية وطرق تدريس متقدمة لتغير التعليم إلى الأحسن بشكل مستمر. واللوم لا يقع على وزارة واحدة لكنه يخضع لعوامل كثيرة منها المنزل وثقافة المجتمع والتعليم الجامعي الموكل له إعداد المعلم، وحين نعود إلى قانون بريتو فإن التركيز في ميزانية التعليم لهذا العام والأعوام القادمة يجب أن يصبّ في حسن اختيار المعلم وتأهيله وتدريبه ورفع روحه المعنوية، ثم تنقيح المناهج واختصارها لإتاحة وقت أكثر في المدرسة للتطبيق وإشاعة جو المرح واللعب والأنشطة الموجهة لبناء شخصية الطفل وعقله وبدنه. ثانياً. تأتي الصحة في المرتبة الثانية بعد التعليم من حيث الأهمية ومقدار ما يخصص لها سنوياً، لكن ما لم تركز وزارة الصحة جهودها على الجودة والرعاية الصحية الأولية فلن تستطيع أن تؤمن ما يكفي من المستشفيات والأسرّة والأدوية مستقبلاً مهما ارتفعت ميزانيتها، ذلك أن جميع الدول المتقدمة التي لديها رعاية طبية متقدمة تهتم بالجودة وبالرعاية الصحية الأولية للأسرة والطالب في المدرسة، أي أنها تركز على محاربة مسببات المرض قبل حدوثه. ومن أفضل الدول في هذا المجال اليابان التي يتمتع شعبها بأفضل رعاية صحية من الولادة حتى الوفاة. جيل اليوم تتهدده أخطار صحية كثيرة منها داء السمنة الحاضن للكثير من أمراض القلب والسكري والكلى والعمود الفقري وأمراض أخرى كثيرة وأطلقت منظمة الصحة العالمية عليه "داء السمنة"، كما أن هشاشة العظام تهدد أكثر من ثلثي سكان المملكة بسبب نقص فيتامين "د" ووزارة الصحة لم تبذل ما يكفي للكشف عن نقصه مبكراً وعلاجه قبل استفحاله. ثالثاً. من حق كل مواطن أن يجد السكن المناسب ووزارة الإسكان مطالبة بالبحث عن الحلول العلمية، والاستعانة ببيوت الخبرة العالمية، ومن أهم الحلول توفير الأراضي المطورة للمواطنين وتشجيع الشركات والأفراد على البناء والاستثمار العقاري لبناء الشقق والمساكن، وهذه بحاجة لتضافر الجهود من كل الوزارات المعنية للإسراع في تحقيق تطلعات خادم الحرمين وولي عهده حفظهما الله. رابعاً. الاقتصاد القوي يعتمد على تعدد مصادر الدخل والاستثمار في العنصر البشري، والتفكير جيداً بإنشاء شركات كبيرة بها مراكز أبحاث وتطوير على غرار شركة أرامكو وسابك يتركز نشاطها في ما يحتاجه السوق كالبناء والصيانة وحماية البيئة والسياحة والنقل بأنواعه والتصنيع بالتعاون مع شركات عالمية ومراكز أبحاث متقدمة مما يسهم في الاستثمار في العنصر البشري وخلق وظائف مجدية وزيادة الإنتاج وجودة التنفيذ، كما يجب التغلب على العقبات التي تحد من توظيف المرأة وخصوصاً القيود المفروضة عليها وأكثرها ثقافية لا تمت إلى الدين بصلة. التركيز في ميزانية هذا العام على التعليم والصحة والسكن وتوجيه الفائض لبناء اقتصاد قوي سوف يعزز الأمن ويحقق الرخاء ويجنب المملكة التأثير السلبي لتقلبات السوق ومتطلبات الزيادة الكبيرة في عدد السكان، وهذا لن يتم إلا بترشيد صرف المال العام وتعزيز دور الجهات الرقابية لضمان الجودة وإيقاف الهدر وصرفه بكل عناية على أهم ما يؤثر على المواطن وكل ما يعزز الاقتصاد ويقويه.

مشاركة :