مكة والمدينة وتنويع مصادر الدخل - عبد الله عبد الكريم السعدون

  • 1/29/2014
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

من علو ثلاثين ألف قدم وكطيور مهاجرة عبرنا فوق أجواء المدينة المنورة، أقلعنا من الطائف متجهين إلى تبوك، كنت قائد التشكيل لطائرات مقاتلة، كان ذلك قبل ثلاثين عاماً، نظرت إلى اليمين ورأيت المدينة الهادئة الهانئة بمسجدها النبوي الشريف ومناراته العالية، وألقيت نظرة على مطارها الصغير وكان هو المطار الاحتياطي لو احتاج أحدنا للنزول الاضطراري. مكة المكرمة والمدينة المنورة تبرزان الوجه المضيء للمملكة وجهودها المستمرة لخدمة المسلمين، والمطارات وموظفوها هم أول المستقبلين وآخر المودعين، نستطيع أن نقدم أرقى الخدمات وأفضلها، ونوجد البدائل الكثيرة للتنمية المستدامة طافت بخيالي تلك الذكريات وأنا أقرأ أن مطار المدينة المنورة أقفل قبل أسابيع أكثر من أربع وعشرين ساعة بسبب تعذر نزول عجلات طائرة مستأجرة قادمة من إيران ونزولها اضطرارياً مما تسبب في إصابة بعض الركاب وإقفال المدرج وإلغاء عدد من الرحلات وما صاحب ذلك من إرباك للحركة الجوية، مما يؤكد أن مطار المدينة المنورة حتى بعد التوسعة لن يتلاءم وأهمية المدينة لصغره ووقوعه بين الجبال وقربه من المناطق السكنية وكثرة المطبات الهوائية وخاصة في وقت الظهيرة مما يجعله غير كاف وبناء مطار كبير يسنده أمر في غاية الأهمية. والمملكة تبذل جهوداً جبارة للعناية بالمدينتين المقدستين وتأمين راحة الحجاج والمعتمرين وتنفذ توسعة كبيرة تكلف عشرات البلايين من الريالات، هذه الجهود هي محل تقدير وترحيب كل مسلم يزور المملكة وتتاح له الفرصة لزيارة المدينتين المقدستين، ولكن نقص الرحلات وازدحامها في بعض المواسم ومحدودية سعة المطارات حتى بعد التوسعة تحد من التوسع في استقبال الزائرين، مما يحتم أن ننظر إلى العوائق والتحديات من زوايا مختلفة وعليه أسوق المقترحات الآتية: أولاً: بناء مطار كبير في جنوب المدينة المنورة حيث الأراضي المستوية والمملوكة للدولة وتمتد لأكثر من 90 كيلومترا بمحاذاة طريق الهجرة وفي موقع يتيح لهذا المطار خدمة زوار المدينة المنورة ويساند مطار الملك عبدالعزيز للحج والعمرة في ظل وجود قطارات الركاب السريعة بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، لو اتخذت الخطط للزيادة، وهذا يتماشى مع خطط الدولة وجهودها الموفقة لزيادة الطاقة الاستيعابية للمدينتين، إنها فرصة لا تقدر بثمن لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين القادرين على الزيارة وفيه أجر عظيم لمن يسعى لخدمتهم وفوائد اقتصادية كثيرة. ثانياً: الطائرة التي تسببت في إغلاق المطار مستأجرة وهذا دليل على حاجة الخطوط السعودية إلى المزيد من الطائرات الحديثة ذات السعة الكبيرة والعمل على إنشاء أكثر من خطوط وطنية تبنى على أسس اقتصادية تنافسية ويسهم فيها صندوق الاستثمارات العامة وتلبي متطلبات النقل الداخلي والخارجي المتزايدة، خصوصاً في المواسم الدينية والسياحية الكثيرة. ثالثاً: المملكة تعتمد على مصدر واحد قابل للنضوب ومعرض لتقلبات السوق الكثيرة، وجميع الخطط الخمسية للمملكة ومنذ عام 1970 تضع بنداً مهماً هو تنويع مصادر الدخل، لكن هذه الخطط ينقصها التنفيذ، وقطاع الطيران بما يحويه من مطارات وطائرات وخدمات مساندة وأماكن إيواء يمكن أن يسهم في مالا يقل عن عشرة في المئة من دخل المملكة ويسهم في خلق آلاف الوظائف ذات الدخل العالي لو تم التركيز على الاستثمار في هذا القطاع المهم. المملكة بمساحاتها الشاسعة وموقعها المتوسط بين قارات العالم مهيأة لأن تلعب دوراً محورياً في حركة نقل الركاب والبضائع بين الغرب والشرق على مستوى العالم. رابعاً: تحيط بالمدينة المنورة مناطق أثرية وسياحية جميلة وبقربها من مدائن صالح وسواحل البحر الأحمر التي يمكن أن يقام عليها الكثير من المنتجعات والأنشطة الرياضية والصحية لتصبح مناطق جذب يتجه إليها السائح بعد زيارة المدينة، وهذا ينطبق على مكة المكرمة حيث الطائف وجدة وسواحل البحر الأحمر لتشمل التنمية والتطوير جميع قرى الساحل الغربي للمملكة، وهذا سيشجع السياحة من داخل المملكة ومن دول مجلس التعاون، ومن خارج المنطقة، مكة المكرمة والمدينة المنورة تتصدران أهم المدن التي يرغب السائح في المرور عليهما والصلاة في مسجديهما، وهذه أمنية كل مسلم تتوق نفسه لزيارتهما. قطاع الطيران والسياحة من أهم مصادر دعم الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وخلق الوظائف المجدية، وتنمية المناطق النائية، الاقتصاد القوي هو أساس استتباب الأمن والرخاء والقوة العسكرية والسياسية، لكن ذلك لن يتم إلا بتوجه الدولة بكل إمكاناتها للاستثمار في هذين القطاعين الهامين ليسهما مع القطاعات الأخرى في تقليل الاعتماد على النفط والتحول التدريجي إلى التنمية المستدامة التي تعتمد على الإنتاج والتصدير وجودة الخدمات. مكة المكرمة والمدينة المنورة تبرزان الوجه المضيء للمملكة وجهودها المستمرة لخدمة المسلمين، والمطارات وموظفوها هم أول المستقبلين وآخر المودعين، نستطيع أن نقدم أرقى الخدمات وأفضلها، ونوجد البدائل الكثيرة للتنمية المستدامة بشرط أن تكون الخطط للخمسين عاماً القادمة وليس لعشر سنوات فقط. المملكة لديها فرصة تاريخية للحاق بركب العالم المتقدم الذي ينعم بالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهي سائرة بمشيئة الله في هذا الاتجاه، لكن ذلك مشروط بالرغبة في التغيير المستمر للأحسن، وجودة تنفيذ المشاريع، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وزيادة الشفافية ومحاربة البيروقراطية التي تضع أكثر من عصا في عجلة التقدم.

مشاركة :