«الوصمة الجنائية» تحرم أصحاب سوابق من الاندماج في المجتمع

  • 6/5/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

على الرغم من قرار كثيرين من أصحاب السوابق العودة إلى مجتمعهم، وإعلان القطيعة مع ماضيهم، إلا أن شكوك المجتمع فيهم تواصل محاصرتهم - حتى بعد قضائهم محكوميتهم - إذ يُنظر إليهم بوصفهم مصدراً دائماً للقلق. يفسر ذلك عودة بعضهم إلى ارتكاب الأخطاء السابقة نفسها، التي دفعوا ثمناً باهظاً لها، إذ تتداول المحاكم يومياً قضايا لشباب عادوا إلى ارتكاب مخالفات قانونية وجرائم، بسبب رفض المجتمع لهم. وكشفت وزارة الداخلية عن تنفيذ 24 برنامجاً متخصصاً لدعم وتأهيل النزلاء، بجانب مشروع لتعديل قانون المنشآت العقابية لدمج المفرج عنهم في المجتمع. واعتبر محكومون سابقون أن الأحكام التي يصدرها المجتمع عليهم أقسى بكثير من الأحكام التي يصدرها قضاة المحاكم، لأن مدتها غير محددة، ولأنها ترافقهم في كل مكان يتجهون إليه. ويؤكد أطباء واختصاصيون نفسيون أن معاناة المحكوم السابق تحتاج إلى تكثيف الوعي المجتمعي بأن من حقه الحصول على فرصة ثانية للعودة إلى الطريق القويم مجدداً، والانخراط في مجتمعه. وتفصيلاً، أكد أصحاب سوابق معاناة المفرج عنهم من النظرة المجتمعية المتشككة، التي تمنعهم من إعادة استكمال حياتهم بشكل طبيعي، والانخراط في المجتمع كعناصر صالحة، مشيرين إلى أن الحصول على وظيفة، أو شريك للحياة، يعد أصعب ما يواجهونه، بسبب «الوصمة الجنائية» التي لحقت بهم. وقال محكوم سابق بتهمة تعاطي وحيازة مواد مخدرة (حمد. م)، إن معظم أفراد المجتمع يشعرون بالريبة إزاء أصحاب السوابق بعد قضاء فترة عقوبتهم، لاسيما أصحاب الشركات ومسؤولي التوظيف، إذ يترددون كثيراً قبل منحهم وظيفة، أو الموافقة على تزويجهم، لظنهم أن السجين، ولو أخلي سراحه، من المحتمل أن يعود إلى ارتكاب جرائمه مجدداً. وأضاف أن لديه سابقتي تعاطي مواد مخدرة، الأولى كانت بسبب طيش الشباب وأصدقاء السوء، والثانية بسبب ابتعاد الجميع عنه عقب إنهاء محكوميته. وشرح أنه دخل في حالة نفسية سيئة أعادته إلى الإدمان، إلا أنه تلقى العلاج الطبي والنفسي، وأصبح فرداً صالحاً، لا ينقصه إلا استعادة ثقة المجتمع به. وأكد (ماجد. هـ)، الذي أدين بتعاطي المواد المخدرة، وقبلت المحكمة التماسه باستبدال المدة المتبقية من العقوبة بوضعه تحت المراقبة الإلكترونية بعدما أمضى نصف المدة، أن نظرة المجتمع وتعامله مع أصحاب السوابق، أقسى من السجن ذاته، لافتاً إلى أن أحكام المجتمع تستغرق وقتاً أطول بكثير من الأحكام التي يصدرها القضاء. ويترافق ذلك مع رفض تعيينهم، أو منحهم وظائف، بغض النظر عن شهاداتهم الدراسية، أو مهاراتهم، أو استعدادهم للتعلم. كما أن الناس لا يفرقون بين جريمة وأخرى، ولا ينظرون إلى الظروف التي دفعت هذا الشخص لمخالفة القانون، أو حداثة عمره في ذلك الوقت، والأقسى أنهم لا يصدقون رغبته في التوبة. وتابع أن معظم الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام بالسجن يسعون إلى البحث عن عمل ليعاودوا من خلاله ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، إلا أنهم لا يجدون من يقبل بهم أو يوظفهم، مؤكداً أن هناك ظلماً كبيراً يقع عليهم من المجتمع وأصحاب الشركات. ورأى (محمد.ع)، وهو ابن لشخص حوكم وسجن أكثر من مرة بسبب تحريره شيكات من دون رصيد، وتعاطي مخدرات، أن الوصمة المجتمعية لا تقتصر على أصحاب السوابق، بل تمتد إلى أبنائهم، مشيراً إلى أن والده ووالدته منفصلان، ووالدته متزوجة، ولديها أبناء من زوجها الآخر. أما والده فهو لا يرعى شؤونه وشؤون إخوته الخمسة، وهو صاحب سوابق، ما دفع الأقارب والجيران إلى الابتعاد عن أبنائه. وقال: «في حال حدوث أي مشادة بين أحدنا وأي شخص من معارفنا، لأي سبب، يعايرنا الطرف الآخر على الفور بماضي والدنا، كما أننا نشعر بأننا غير مرحب بنا في أي تجمع عائلي». من جانبه، أكد المستشار القانوني، حسن الملا، ضرورة توعية المجتمع بأن الأشخاص الذين أدينوا في جرائم وأدوا عقوبتها، يستحقون فرصة للعودة مرة أخرى إلى الطريق الصحيح، مشيراً إلى عدم جواز معاقبة الشخص مرتين على جريمة واحدة. وقال: «واجهنا الكثير من أصحاب السوابق عادوا إلى الجريمة ومخالفة القانون بسبب نظرة المجتمع لهم ونبذهم وتهميشهم، خصوصاً النساء، فالمحكوم عليهن يواجهن تعنتاً كبيراً من المجتمع عقب خروجهن من السجن، وينبذهن أقرب الناس إليهن، مثل الأهل أو الزوج، ما يترتب عليه عودتهن إلى طريق الخطأ، والسجن مرة أخرى». وأكدت المحامية مها عبدالله، ضرورة العمل على إعادة دمج المفرج عنه داخل أسرته ومجتمعه؛ ليعود عنصراً فاعلاً في الحياة الاجتماعية والعملية، مشيرة إلى أن العائلة هي أساس المجتمع، وهي تسهم إيجاباً أو سلباً في نفسية المحكوم. كما أن لها دوراً أساسياً في تجاوز أزمة ما بعد السجن، من خلال تقبله وتكثيف العناية به، لمساعدته على العودة إنساناً صالحاً من جديد. أما في حال رفضه وعدم قبوله بين أهله، فمن المحتمل أن يرجع إلى العنف والسلوكيات الخاطئة، خصوصاً النساء اللواتي يصبحن عرضة لأن يستغلهن الأشخاص السيئون. وشددت على ضرورة أن يتقبل المجتمع السجين بعد إطلاق سراحه لأسباب كثيرة، منها: قد يكون العقاب الذي تلقاه قوَّم سلوكه، وجعل منه إنساناً سوياً، مشيرة إلى أن هذه الفئة تحتاج إلى دعم من المجتمع لتذليل الصعوبات التي تواجهها، خصوصاً أن أكثريتهم في عمر المراهقة والشباب، ومن الظلم أن يعاقبوا على جريمة مرتين. ودعت المحامية نجلاء أحمد بديوي، إلى احتضان الأشخاص المفرج عنهم (أصحاب السوابق)، ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع، حتى لا يعودوا إلى ارتكاب أفعال مجرمة قانوناً. وقالت: «في كثير من الأحيان لا يقتصر عقاب أصحاب السوابق على القانون، بل يشمل المجتمع أيضاً، حتى بعد تنفيذ العقوبة، فهذه الوصمة التي تلصق بهم تزيد من عزلتهم الاجتماعية، بسبب ابتعاد الناس عنهم ونبذهم لهم. فقد يهجرهم أقرب الناس إليهم، أو يجدون صعوبة في الزواج أو في تكوين الأصدقاء، أو في العثور على عمل كريم يكسبون به رزقهم ويتخلون به عن الجريمة». وأشارت إلى أن العديد من الشباب المفرج عنهم في قضايا تعاطي مواد مخدرة يعودون مرة أخرى إلى ارتكاب أخطائهم السابقة وإلى الانحراف والجريمة، بسبب الحصار الاجتماعي. ورأى الأخصائي النفسي، الدكتور أحمد السيد، أن حكم المجتمع على أصحاب السوابق يصبح دافعاً في كثير من الأحيان إلى الاستمرار في السلوك الإجرامي، حتى إن كانوا غير مقتنعين به، ثم يتقبلون أنفسهم شيئاً فشيئاً كمجرمين، ويتصرفون على هذا الأساس. وأضاف أن «السجين السابق يصطدم بنظرة المجتمع ومعاملة أفراده له، فعقب قضاء عقوبته وخروجه للحياة المدنية مرة أخرى، يكتشف أنه أصبح منبوذاً اجتماعياً، وغير مرحب به من الآخرين، كما أنه يجد صعوبة في الحصول على عمل. وفي حال حصوله على وظيفة يتم التعامل معه بحذر، وتفرض عليه العزلة تدريجياً، ما يؤثر فيه نفسياً نتيجة شعوه بالظلم، ما يولد لديه كرهاً لمجتمعه، فيتجه مرة أخرى إلى رفقاء السوء، حيث يشعر وسطهم بالمساواة». السجين السابق يصطدم بنظرة المجتمع ومعاملة أفراده له عقب قضاء عقوبته. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App

مشاركة :