قبل سنوات ليست قليلة، كنا نحلم بتلفزة الثقافة والمثقفين استناداً إلى إيمان ويقين بمنطق ومقياس وتقييم بأن (ثقافة الصورة) هي الثقافة الحية السائدة، وبأنها هي التي تحفل بالإثارة والجاذبية، ولذلك هي التي تحظى بالتواصل والاهتمام؛ بسبب أنها ستخرج تلقائياً من صمت الأضابير ووحشة الأرشفة وسكونية الملفات التي ستدفع بها تباعاً إلى النسيان فالضياع فالانقراض.. ستخرج إلى نبض الحياة وأضواء الحضور وشلالات التفاعل والمتابعة والانتشار. تحقق الحلم.. وولدت القناة الثقافية.. ولست هنا بصدد الحديث عن تعثر البدايات، وتشتت الإدارة، وتواضع المادة المتلفزة، وانعدام الهوية البرامجية.. وغيرها من الأسباب والسمات والملامح التي جعلت اليأس من نجاحها واستمرارها يستوطن اعتقاد المتلقين وتوقعاتهم.. وكان السبب والدافع الرئيس خلف هذه البداية المتواضعة جداً، ووراء هذا التردي هو انعدام الفكر التلفازي الصحيح، وغياب التخطيط والإعداد لبدء مشروع مثل هذا؛ ولذلك جاءت النتيجة بهذا الشكل. قلت: إنني لست بصدد تحليل هذه المعضلة الاستراتيجية التي تقف خلف فشل مشروعاتنا الحيوية في القطاعات كافتها وليس في الإعلام فقط.. لكنني معنيّ الآن بتسجيل الشكر والتقدير والإشادة بحهود الزملاء الذين اجتهدوا وجاهدوا وصمدوا من أجل استمرار الثقافية، برغم عدم وجود أي منهجية إعلامية أو خطة عملية.. ولذلك لا بد من الإشارة وبقوة إلى الزميل الأستاذ (محمد الماضي) الذي أعده المدير الأول للثقافية الذي تم تعيينه رسمياً من قِبَلِ وزير الثقافة والإعلام. اجتهد الأستاذ محمد في ظل الظروف العائمة والسياق الصعب الذي أشرت إليه آنفاً ومعه جملة من الإداريين والمعدين والمذيعين والمخرجين، واستطاع ببضعة برامج جديدة، وبمواد موجودة في مكتبة التلفزيون، وببعض التغطيات أن يبقي القناة على قيد الحياة.. إلى أن تقاعد من العمل. بعد ذلك، تولى زمام الأمور، وأمسك بمقود العمل الرئيس الجديد الزميل الأستاذ (عبدالعزيز العيد) بتكليف رسمي من رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون. وفي رؤيتي الخاصة، وباختصار.. أن القناة الثقافية برئاسة الأستاذ عبدالعزيز تحولت تحولاً إيجابياً باتجاه الأجمل، ولوحظ كثير من التنظيم والتطوير والإضافة على خارطة البث والبرامج، في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر بكثير. ومن خلال متابعتي، ومع بداية شهر رمضان المبارك، أستطيع أن أقول: إن القناة الثقافية قد تفوقت بكثير وحظيت بنُقْلَة استثنائية وبخاصة في برامج فترة السهرة والسحور لا مراء ولا جدال.. وليس المجال هنا لعرض برامج القناة، غير أني أكتفي بالتنويه بهذه البرامج على سبيل المثال والأنموذج: - برنامج (قراءات النجوم) من إعداد طارق السميري، وتقديم إيمان باحيدرة، وإخراج أيمن الشريف. - برنامج (ليالي البجيري) بالتعاون مع إذاعة الرياض، وينفذه بنجاح مميز فريقُ عمل كبير في مقدمته الزميلان: خليل الصاعدي وماجد العمري. - البرنامج الحواري الشعبي (المركاز).. من تقديم العمدة عبدالصمد. -برنامج (علامة فارقة) الذي يتحدث عن الحروب والوقائع التاريخية بأسلوب سردي جذاب. - برنامج (نشرة أخبار التاريخ)، وهذا البرنامج من أعاجيب البرامج في الأسلوب وطريقة العرض والأداء.. حيث يقدم المعلومات التاريخية الماضية بأسلوب نشرة الأخبار المعاصرة في المحطات الفضائية بطريقة آسرة لذيذة. ومن الإنجازات التي يفاجأ بها ضيوف القناة الثقافية في مختلف البرامج، ذلك الاحتفاء المعنوي والمادي، فبعد أن يحظى الضيف بجميل الترحاب، وينتهي من فقرته تسلم إليه مكافأته فوراً بالتقدير والاحترام، وتلك مَيّزةٌ حضرية مبهجة قل أن توجد في غيرها.. وهي من إضافات الأستاذ أبي فهد. نشدّ على يد الأستاذ عبدالعزيز، ونبارك له هذه الجهود وللقناة هذا التطور، وننتظر مزيداً من التحولات التي تبقي على الشأن الثقافي والفرح المعرفي حياً متألقاً في الساحات والعقول والقلوب. الكرة الآن في مرمى المثقفين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي.. وهذه دعوة إلى المبادرة بحميمية وجدية إلى الوقوف مع القناة الثقافية والمشاركة في مسيرتها المباركة والإسهام في تحولاتها التي ستعود على الشأن الثقافي بكل مبهج وجميل. (لا شك في هذا).
مشاركة :