في مقاله* لـ DW عربية يتحدث علاء الأسواني إلى أنصار ترامب في العالم العربي. أولا: لو أنك كتبت كلمة نقد ضد أي ديكتاتور عربي فلسوف تدفع الثمن من رزقك وحريتك وربما من حياتك. الديكتاتور العربي يعتبر نفسه كائنا مقدسا لا يجوز نقده لكنه برغم ذلك يتقبل الاهانات والسخرية إذا جاءت من الرئيس ترامب. لا يوجد رئيس أمريكي أهان الحكام العرب وتعامل معهم باحتقار مثل ترامب الذي قال متهكما عن السيسي "إنه ديكتاتوري المفضل" وحكى في مؤتمر عام، أمام الآلاف من أنصاره، كيف اتصل بحاكم خليجي وهدده برفع الحماية الأمريكية وانتزع منه تبرعا بنصف مليار دولار في مكالمة لم تستغرق دقائق. هذه الاهانات من ترامب يتحملها الحكام العرب عن طيب خاطر مقابل الحصول على الدعم السياسي الأمريكي الذي يمكنهم من الاستمرار في قمع ونهب شعوبهم وهم آمنون من العقاب. ثانيا: تم قتل الأمريكي الأفريقي جورج فلويد بواسطة ضابط شرطة أبيض عنصري ومع انتشار الفيديو الذي صور الجريمة انفجرت المظاهرات الغاضبة في كل أنحاء الولايات المتحدة والعالم، وقد اعتبر المتظاهرون ان الخطاب العنصري للرئيس ترامب يتحمل جزءا من المسؤولية عن الجريمة. في وسط الادانة العالمية للرئيس ترامب انفرد الاعلام العربي في مصر والخليج بحملة دعائية لترامب والاشادة بعظمته وحكمته (!). القائمون على هذه الحملة "ترامبيون" أكثر من ترامب نفسه وهم يستعملون نظرية المؤامرة المفضلة لدى المخابرات العربية فيتهمون ملايين المتظاهرين الأمريكيين بأنهم خونة وعملاء يكرهون جيشهم وشرطتهم وأنهم ممولون من أجل اسقاط الدولة الأمريكية إلى آخر هذه الخزعبلات البائسة التي طالما استعملها اعلام المخابرات لتشويه المناضلين من أجل العدل والحرية في البلاد العربية.. ثالثا: بالإضافة إلى أنصار الاستبداد والمستفيدين منه فان بعض الناس الطيبين الذين تأثروا بالدعاية الاعلامية وبعض المسيحيين العرب يؤيدون ترامب بحماس منقطع النظير لأنهم يعتبرونه البطل الذي يقاوم التطرف الاسلامي. ان دعم هؤلاء لترامب وتعلقهم به يذكرنا بما يحدث في علاقات الحب من طرف واحد عندما يتجاهل الحبيب حقيقة مشاعر محبوبه ليظل سعيدا بأوهامه. الحقيقة ان دونالد ترامب لا يعادي المتطرفين الاسلاميين فقط وانما يعادي المسلمين جميعا، وهولا يعادي المسلمين فقط وانما يعادي المسيحيين أيضا اذا كانوا من أصول مكسيكية أو لاتينية او أفريقية. دونالد ترامب هو رئيس الاستعلاء الابيض White supremacy الذي يعتبر أن الرجل الأبيض قد ولد متفوقا على الملونين مهما تكن دياناتهم. رابعا: الولايات المتحدة ليست جنة الديمقراطية والنظام السياسي هناك يعاني من عيوب مثل نظام التصويت العتيق المعقد وامكانية استعمال المال في التأثير على الانتخابات ووجود انتماء سياسي للقضاة في المحكمة العليا. كل هذه العيوب معروفة ويتم تدريسها في كليات العلوم السياسية في أمريكا و برغم ذلك فان النظام الديمقراطي هو السبب الأصيل في تقدم الولايات المتحدة لأنه يتيح الفرصة لتقدم الكفاءات وتصحيح الأخطاء كما أنه يوفر للأمريكيين درجة من الحريات المدنية لا يمكن مقارنتها بأنظمة الاستبداد العربية. ان جريمة مقتل جورج فلويد على بشاعتها تتكرر بشكل دوري في معظم البلاد العربية. لقد أرسل النظام السعودي إلى تركيا كتيبة اعدام قتلت الصحفي المعارض السعودي جمال خاشقجي ثم مزقت جثته بالمنشار لتتخلص منها ولم تخرج مظاهرة واحدة في السعودية لإدانة هذه الجريمة البشعة، وأثناء مذبحة محمد محمود رأى ملايين المصريين قوات المجلس العسكري تقتل شباب الثورة ثم تلقي بجثثهم في القمامة ورأى المصريون أيضا مدرعات الجيش وهي تدهس المتظاهرين الأقباط في ماسبيرو ومع ذلك فان معظم المصريين لم يحركوا ساكنا لإدانة هذه المذابح. الديمقراطية الأمريكية برغم عيوبها تتيح حرية التعبير وتحمي حق التظاهر للأمريكيين بينما القمع الموجود في البلاد العربية يشيع الرعب ويصيب الناس بالجبن والاذعان والسلبية.. خامسا: العنصرية البغيضة موجودة في أمريكا طوال تاريخها ولقد ناضل الأمريكيون من أصول أفريقية طويلا وقدموا تضحيات كبيرة حتى انتزعوا - نظريا على الأقل - حقهم في التساوي مع الأمريكيين البيض في العمل والتعليم وفرص الترقي، بل ان انتصارا عظيما للحقوق المدنية قد حدث عندما وصل باراك أوباما الأمريكي الأفريقي إلى منصب رئيس الولايات المتحدة واستمر فترتين رئاستين، على أن ذلك لم يعجب المحافظين والمتعصبين من البيض. فكان الرد هو انتخاب ترامب العنصري الذي أعطى وجوده في السلطة دعما كبيرا للعنصريين البيض، مما أدى إلى انقسام المجتمع الأمريكي على نفسه وازدياد جرائم الكراهية ضد الملونين والمهاجرين، وصار من المألوف في الأماكن العامة أن يقوم متعصب أبيض باستفزاز واهانة المنتمين إلى الأقليات العرقية لمجرد أنهم يتحدثون بلغتهم الأصلية فيما بينهم، وبعد أن يهينهم العنصري الأبيض عادة ما يردد الدعوة الكريهة التي أطلقها ترامب وصارت من مأثورات العنصرية: "لماذا لا تتركون أمريكا وتعودون إلى بلادكم الأصلية؟" ان ما يحدث في أمريكا دليل على حيوية المجتمع الأمريكي، ونحن نرى كل يوم مسؤولين في الدولة الأمريكية ينضمون إلى المظاهرات ويدافعون عن القضية التي خرجت من أجلها. كل انسان لا بد أن يرفض ويدين العنف والتخريب والنهب، لكن الانسانية تستوجب دائما تحقيق العدالة. ان انتصار العدالة في أمريكا سيكون ملهما ليس فقط للأمريكيين وانما للمظلومين في كل مكان. ان ملايين الناس في كل أنحاء العالم يتمنون سقوط ترامب في الانتخابات القادمة لأنه أصبح رمزا للعنصرية والكراهية والرأسمالية المتوحشة. لن يكون سقوط ترامب في صالح الطغاة العرب لكنه بالتأكيد سيكون في صالح الشعوب العربية التي تناضل من أجل العدل والحرية. الديمقراطية هي الحل draswany57@yahoo.com * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.
مشاركة :