هل توجّه ذائقة القراء والمتلقين قلم الكاتب صوب مواضيع معينة قد لا يروقه الكتابة فيها؟، يبدو هذا السؤال وجيهاً في غمرة الواقع الذي نعيشه والذي يتسم، للأسف الشديد، بتهافت القراء على مواضيع خاوية، وأجناس أدبية ضعيفة البناء، هشة اللغة، فقيرة المضمون، ومع ذلك تتحوّل بقدرة قادر إلى قيمة أدبية كبرى، وتتصدر الصفحات الثقافية وقوائم الكتب الأكثر المبيعاً ويحتفى بها في المجالس، وتلقى رواجاً كبيراً أكثر من قيمتها في الواقع. الحق أن ذائقة القراء تلعب دوراً محورياً في انتقاء مواضيع معينة واختيارها للكتابة عنها، بل إن الكاتب الذي يتجنب أو يتفادى الكتابة في تلك المواضيع يجد نفسه خارج دائرة الاهتمام ويتحوّل نتاجه إلى بضاعة لا تسمن ولا تغني من جوع القارئ النهم، وشواهد الواقع كثيرة تحيل إلى ذلك بوضوح، وثمة من عرف واشتهر بجنس كتابي معين ولم يجرب الكتابة خارجه، خوفاً من خطر المغامرة وإبقاءً على المكانة التي حظي بها بمحض الصدفة، بل هناك من أصبح حبيس ما كتبه، لا يستطيع أن يحيد عنه قيد أنملة، وثمة من حاول المغامرة خارج ذلك فلم يجن شيئاً. وبغض النظر عن ذكر أسماء معينة فإن الظاهرة أصبحت معروفة على نطاق واسع، وثمة أعمال سردية وقصصية ودواوين شعرية وغيرها تملأ رفوف المكتبات ومعارض الكتب ودور النشر، وليس لها من الأدب إلا الاسم. من يراقب بورصة الكتب يصطدم للأسف الشديد بواقع مر ومرير لا يعبر إلا عن مزيد من السخافة والتفاهة التي تباع جهاراً نهاراً للعامة والخاصة، فقيرة وفارغة من أي مضمون، والأدهى والأمر من ذلك أنها أصبحت توسم بالأكثر مبيعاً، ويتباهى بها في السر والعلن، وكأن ذلك أصبح معياراً للحكم على مضمونها وقيمتها الأدبية والمعرفية. إن ذائقة القارئ تسهم بالفعل في تحديد نوع وطبيعة مضمون المنتج الثقافي، الذي أصبح سلعة تباع وتشترى، وكان من الطبيعي، والحال هذه، أن تتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعا تجارب ضعيفة وهزيلة معزولة عن سياقها، ولا تمت إلى الأدب بأدنى صلة. إن هذه الظاهرة تشكل خطراً كبيراً يتهدد مستقبل الثقافة العربية بما تعكسه أو تسهم فيه من نشر وترويج لأعمال تكتسح الساحة الثقافية وتزاحم على الألقاب ويتطلع أصحابها، سفهاً، إلى الجوائز الثقافية والأدبية والتقديرية بغير وجه حق، وهناك شركاء أسهموا في نشر وتعميم هذه الظاهرة والترويج لها أولهم دور النشر التي لا تبحث إلا عن التكسب المادي، وما ستجنيه من وراء نشرها لقصة أو رواية أو ديوان شعري لكاتب مغمور أو شاعر مجهول، من دون أن تراعي أثر ذلك وتأثيره في مستقبل الثقافة وتشكيل الوعي المجتمعي، ومن المعلوم أن المنتج الثقافي يعبّر، بالضرورة، عن طبيعة المجتمع وواقعه، وإذا كان هزيلاً ضعيفاً فهو ابن بيئته ومرآة مجتمعه.
مشاركة :