اعتقال القيادي أبومالك التلي هو حلقة ضمن سلسلة تصفية وإقصاء بدأتها هيئة تحرير الشام التي يتزعمها أبومحمد الجولاني تستهدف الأصوات المعارضة، لضمان سطوتها على الساحة الجهادية في شمال غرب سوريا، والتي ما كانت لتتم لولا وجود ضوء أخضر تركي. دمشق- اعتقلت قوة من هيئة تحرير الشام، الاثنين القيادي الجهادي البارز أبومالك التلي، في ريف مدينة إدلب، في خطوة تعكس توجها للقائد العام للهيئة أبومحمد الجولاني لتصفية كل خصومه ومعارضي السياسة التركية في المنطقة، لاسيما اتفاقيات الأخيرة مع روسيا. جاء اعتقال التلي بعد أيام قليلة من تصفية قياديين في تنظيم حراس الدين بطائرة مسيّرة غربي إدلب. ووجهت حينها الحسابات الافتراضية لعناصر تنظيم القاعدة على تليغرام، اتهامات لزعيم هيئة تحرير الشام، بالوقوف خلف مقتل المسؤول العسكري لحراس الدين خالد العاروري (أبوالقسام الأردني) وقائد جيش البادية بلال الصنعاني، ولاقت هذه الاتهامات جدلا واسعا في الأوساط الجهادية. وانشق التلي عن هيئة تحرير الشام في السابع من أبريل الماضي من العام الجاري، وشكل جماعة مقاتلة تحت مسمى لواء “المقاتلين الأنصار” قبل أن ينضم إلى غرفة عمليات “فاثبتوا” الجهادية، ويعرف عن أبومالك معارضته لارتهان الهيئة الكلي لأنقرة، وللاتفاقيات الروسية – التركية حول منطقة “خفض التصعيد”، وهو ما أكده بنفسه في أكتوبر من العام 2018. وتعتقد الأوساط الجهادية أن خطوة اعتقال التلي وقبلها حملة تصفية لقيادات في حراس الدين والتي يرجح أن تزداد وتيرتها في قادم الأيام، ما كانت لتتم لولا وجود ضوء أخضر تركي، حيث من صالح أنقرة الحفاظ على قوة ووحدة هيئة تحرير الشام خدمة لأجندتها في سوريا. وتقول مصادر قريبة إن من الأسباب التي أدت إلى اعتقال التلي هو رفضه منذ العام 2017، تاريخ وصوله إلى إدلب من القلمون بريف دمشق، تسليم ملايين الدولارات لخزينة الهيئة كان تحصل عليها لقاء صفقات تبادل عقدها مع نظام الرئيس بشار الأسد وحزب الله اللبناني، من بينها صفقة راهبات معلولا. وتشير الأوساط إلى أن قيادة هيئة تحرير الشام تخشى من أن يوظف التلي الذي كان عضوا فاعلا في مجلس الشورى التابع للهيئة تلك الموارد في التحالف الجهادي المستحدث لمقارعة نفوذها في منطقة شمال غرب سوريا. وبرز تحالف جهادي جديد لقادة منشقين عن هيئة تحرير الشام تحت عنوان “غرفة عمليات فاثبتوا”، وضم خمسة فصائل جهادية، وهي بحسب بيانه التأسيسي؛ تنسيقية الجهاد بقيادة أبوالعبد أشداء القيادي المنشق عن هيئة تحرير الشام، ولواء المقاتلين الأنصار بقيادة القيادي السابق بالهيئة أبومالك التلي، وجماعة أنصار الإسلام، وجبهة أنصار الدين، علاوة على تنظيم حراس الدين. يعرف عن أبومالك معارضته لارتهان الهيئة الكلي لأنقرة وللاتفاقيات الروسية – التركية حول منطقة "خفض التصعيد" يعرف عن أبومالك معارضته لارتهان الهيئة الكلي لأنقرة وللاتفاقيات الروسية – التركية حول منطقة "خفض التصعيد" وعُدّ الكيان الجهادي الجديد بمثابة انقلاب على الجولاني، بعد أن وصل الخلاف والصراع بين تنظيمه وباقي الفصائل الجهادية النشيطة في الشمال السوري والمحافظة على ولائها للقاعدة، إلى ذروته. يرجع انزعاج الجولاني من إعلان الكيان الجهادي الجديد إلى إدراكه بأن المقصود بتدشينه، وتحديدا بهذه الصيغة وبهؤلاء القادة، هو ضرب نفوذه، لاسيما وأن هناك كيانا جهاديا قائما بالفعل يضم حراس الدين والعديد من الفصائل الجهادية، هو “غرفة عمليات وحرّض المؤمنين”. وسلطت خطوة تشكيل هذا الكيان المنافس لهيئة تحرير الشام بالشمال السوري الضوء على عجز شرعيي هيئة تحرير الشام عن إيجاد مبرر فقهي يسّوغ الارتهان للنظام التركي، بالنظر لحاجة الهيئة إلى الحفاظ على علاقتها التعاونية مع أنقرة، لضمان استمراريتها. وعمد شرعيو الهيئة إلى تبرير التعاون مع النظام التركي الذي لا يحتكم للشريعة الإسلامية، من باب أهون الضررين وأقل الشرّين. وواجه قادة حراس الدين، والقياديون المنشقون عن هيئة تحرير الشام، الخطاب التبريري لشرعيي الهيئة بطرح أكثر تشددا يتضمن الحكم بالردة والكفر على النظام التركي وتحريم التعاون معه وعدم الالتزام، بما يبرمه من اتفاقيات هدنة مع روسيا، باعتبارها معاهدات تؤدي إلى طاعة دولة أو جهة كافرة، ودعموا موقفهم برواية تروّج لمظلومية جماعتهم في مواجهة تضييق هيئة تحرير الشام عليهم وسرقة أسلحتهم واغتيال قادتهم ومنعهم من الجهاد. وعززت تلك التنظيمات الجهادية المناوئة لخط الهيئة تموقعها الجهادي عبر خطاب يتلاعب بورقة مداهنات هيئة تحرير الشام وبراغماتيتها السياسية، ما مكنها من التسويق لنفسها على أنها الوحيدة المتمسكة بالخط الجهادي. وحرص قادة حراس الدين والمنشقون بالواضح على اللعب بكافة الأوراق التي تفتقر إليها هيئة تحرير الشام بحكم الضرورة، بما فيها عدم مقدرة الأخيرة على التمدد خارج حدود سوريا نظرا لالتزامها بنموذج الكيان المحلي واعتزالها التوجهات العابرة للحدود. وكان تنظيم حراس الدين سعى إلى تعزيز قدراته العسكرية والبشرية من خلال تأسيس فروع للتنظيم في دول مجاورة بهدف توسيع نطاق نفوذه واستقطاب العناصر التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة، وهو ما تحقق بإعلان الاندماج الذي يُطلق عليه الجيش النقشبندي المتمركز بشمال محافظة صلاح الدين ما يمهد لتمدد نفوذ التنظيم داخل العراق. اعتقال أبومالك التلي جاء بعد أيام قليلة من تصفية قياديين في تنظيم حراس الدين بطائرة مسيرة غربي إدلب ويدرك أبومحمد الجولاني خطورة الأوراق التي بحوزة منافسيه فهم بحكم استمرارية ولائهم لتنظيم القاعدة قادرون على استقطاب مقاتلين أجانب، فضلا عن استقطابهم لجهاديي تنظيم الدولة في شمال غرب إدلب بعد طرد تنظيمهم من الرقة والموصل، إلى جانب تأمين مصادر جديدة للتمويل من خلال التحالفات العابرة للحدود. وسبق الإعلان الأخير عن تأسيس “غرفة عمليات فاثبتوا” بث كلمات لقادة وشرعيين في حراس الدين، على حساب شام الرباط، القناة الإعلامية الرسمية للتنظيم، تشكك في أهلية هيئة تحرير الشام لقيادة النشاط الجهادي في سوريا وفي سلامة منهجها وتحرض على الانشقاق عنها. ونشر حساب منبر أهل السنة والجماعة المعارض للجولاني الجمعة، كلمة عنوانها “نداء لكل المجاهدين الصادقين من أنصار الشريعة على أرض الشام”، يصف قتال هيئة تحرير الشام بأنه واجب على كل موحد باعتبارها فئة ضالة فاسدة متعاونة مع الأعداء. وارتدت سياسة مسك العصا من المنتصف التي اتبعها أبومحمد الجولاني مع تنظيم حراس الدين بنتائج عكسية على هيئة تحرير الشام، لعجز الجولاني عن اتخاذ قرار شن حرب شاملة على التنظيم والقضاء عليه، لاسيما وأن الأخير نجح في استمالة الغاضبين من قيادة الهيئة. وقد يكون الخيار الوحيد أمام الجولاني حاليا هو تصفية القيادات المناوئة، لضمان بقاء سطوته على الساحة الجهادية في شمال غرب سوريا. ShareWhatsAppTwitterFacebook هشام النجار
مشاركة :