علي الصراف يكتب: في انتظار قسطنطين كفافي

  • 6/11/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يلقي طرفا محنة الانقسام الفلسطيني اللوم على أحدهما الآخر. ولقد ظلا يجرجران الأقدام حيال كل محاولة لرأب الصدع. وبرغم العشرات، وربما المئات من الاجتماعات والوساطات والمحاولات التي انتهت كلها الى الفشل، فقد ظل اللوم يقع على الآخر دائما. وكانت تلك حيلة مشتركة، في الواقع، لكي لا يفعل أي منهما شيئا مما يدعي أنه سيكون قادرا عليه “ولو لم يكن هناك انقسام”. الرائع في هذه الحيلة، هو أنها ظلت تنطلي ليس على الفلسطينيين وحدهم، وإنما على “أمة لا إله إلا الله” أجمعين. بل أن هناك ما يبرر الاعتقاد بأنها انطلت على إسرائيل أيضا، بدليل أنها ظلت تقدم مساهمات في تصديع الصدع كلما جرت محاولة أخرى لرأبه. وهو ما يعني أنها بذلت جهدا لتكريس انقسام، ربما أثبتت الأيام، أنه من لوزم ما لا يلزم. فالانقسام حاجة ماسة لكلا طرفيه، الى درجة تجيز القول إنه كـ”الحب” بالنسبة لنزار قباني: “لو لم نجده عليها، لاخترعناه”. أو أنه يجيز السؤال الأكثر مرارة: وماذا كنا سنفعل من دونه؟ فبما أنه على غرار قصيدة قسطنطين كفافي “في انتظار البرابرة”، “كان نوعا من الحل”، فان الحاجة إليه تجيز كل ما عداها، بما ذلك كل المظالم التي يحيقها الاحتلال الإسرائيلي بالفلسطينيين أينما كانوا. في عام 1898 كتب كفافي تلك القصيدة ليذكر أثينا عندما وجدت نفسها في مأزق داخلي، بينما كانت تواجه غزو البرابرة من الخارج، فقال: “جاء البرابرة،وشكرا لأنهم جاءوا،فمن دونهم كيف كانت ستكون لنا مقاومة،وكيف كنا سنمسك بالعروة الوثقى للحرية؟ولو ان البرابرة فعلوا عكس ما يفعلون الآن،فماذا كنا سنفعل؟صنع البرابرة كارثة.ولكنهم لو لم يصنعوا كارثة، لكانت الكارثة أكبر.ولسقطت خيمة الشرف،وذبلت شعلة الخير وانتحرت الوطنية.ومن دون البرابرة، فكيف كنا سنكتشف معادن الرجال،وكيف كنا سنمنّي النفوس بمعدن المعدن؟وماذا كنا سنفعل؟جاء البرابرة،وشكرا لأنهم جاءوا،فقد كانوا نوعا من الحل”.   ولو أنك وضعت كلمة “الانقسام” محل كلمة “البرابرة”، فلسوف ترى أنه بات ضروريا للغاية لكي نكتشف معدن المعدن، وأن خيمة الشرف كانت سوف تنهار من دونه. ولكن السؤال الأهم ربما، هو: لو لم يكن هناك انقسام كارثي فعلا، فهل كانت الكارثة ستكون أكبر؟ الجواب، نعم. لأننا حينها لم نكن لنعلم ماذا سنفعل غدا. على الأقل، لدينا الآن انقسام نتسلى به، ونحوله الى ذريعة تفسر لماذا لا نعمل ما كان يجب أن نعمل. وهناك سلطتان فلسطينيتان، أطال الله عمرهما ما دامتا منقسمتين، ربما كان بوسعهما، كل على نحو منفصل، أن يقوم بما يتعين أن يقوم به، من أجل التصدي للعدوان الإسرائيلي، من دون الحاجة الى ما يمكن للطرف الآخر أن يفعله. ولكنهما لم يأخذا بهذا الخيار، لكي لا يحرج أحدهما الآخر، فيضطره، ولو على سبيل التقليد، أن يتخذ سبيلا يجعل من “المقاومة” مقاومة فعلا. هذا الواقع وحده يكفي للدلالة على أنهما برغم “العداوة” كلها، حليفان يتفهم أحدهما حاجة الآخر ويحرص على مكانته في نفوس أنصاره ومؤيديه، فيحفظ له ماء الوجه. فيظل الانقسام يؤدي الخدمة المرجوة منه. صحيح أن ذلك ينطوي على الكثير من المظالم، والكثير من الاتهامات الجارحة، والكلام الخشن، ولكن هذا كله جزء من أدوات الإقناع بان الانقسام حقيقي وخطير الى درجة أن أحدا، لا يستطيع رأبه. ومع تمدد الاحتلال، واتساع دائرة العجز والفشل في مواجهة البرابرة، فان الفلسطيني الأخير الذي قد يجد نفسه في أثينا، سوف يتذكر كفافي، ليقول: لقد كان نوعا من الحل. إذ ما الذي كنا سنفعله من دون انقسام، أو من دون احتلال، ومن دون برابرة؟

مشاركة :