أكد باحثون ومختصون قيمة الأمثال الشعبية وموروثها القيمي، وأثرها في حفظ الهوية الوطنية، مشيرين إلى أنها تواجه تحديات بالجملة في عصر الانفتاح على التكنولوجيا الرقمية، ولذا ينبغي تعريف الأجيال الحالية بالأمثال القديمةـ وتوعيتهم بأهمية الحفاظ على ما تبقى منها. اتجاهات متضاربة أوضح الباحث في التراث، راشد بن هاشم، أن بعض ما نتداوله اليوم من أمثال شعبية، لم تكن موجودة في ماضينا ولا حتى في حاضرنا، تأثرت بالوضع الاجتماعي السائد في عصرنا الحالي، وما يتسم به من وجود حالات اجتماعية متنوعة، إذ تجد اليوم أفراد الأسرة الواحدة في اتجاهات مختلفة وربما متضاربة. جاء ذلك خلال الحلقة النقاشية الثانية التي نظمها معهد الشارقة للتراث بمقرهـ يوم الخميس الماضي، ضمن أنشطة وفعاليات البرنامج الفكري للمعهد، الذي يتضمن استضافة باحثين ومختصين ومهتمين في مجال الثقافة والتراث. وشارك في الحلقة النقاشية مستشار التراث والتاريخ المحلي بدائرة التنمية السياحية في عجمان، علي المطروشي، وأستاذ التاريخ القديم في جامعة الإمارات، الدكتور حمد بن صراي، والمحاضر في جامعة الشارقة، الدكتور سالم زايد الطنيجي، والباحث في التراث، راشد بن هاشم، وأدارها سعيد بن يعروف. من جانبه، أكد رئيس معهد الشارقة للتراث، عبدالعزيز المسلم، في افتتاح الحلقة النقاشية، أهمية الأمثال الشعبية كموروث شفهي ثقافي، وجزء من التراث الشعبي الذي يشكل ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية، مشيراً إلى دور الاختصاصيين والباحثين في الحفاظ على الأمثال الشعبية وديمومتها في ظل واقع نعيشه اليوم ويتسم بالتعدد والتنوع، والتدفق اللانهائي في ثورة المعلومات. وأضاف أن الأمثال الشعبية مرآة صادقة لحكمة الشعب، ومستودع للعادات والتقاليد، كما أنها تعد خلاصة التجارب الإنسانية، واختزال للخبرات الفردية والجماعية، وهي تصدر عمن أوتوا الحكمة والمعرفة الشعبية، أو تتشكل بفعل التداول من خلال مواقف معينة وانسجامها مع الوجدان الشعبي. وتابع المسلم لقد عني كثير من المشتغلين بالفكر والأدب باستخدام الأمثال الشعبية في إبداعاتهم المختلفة، كما أنها كانت مادة رئيسة للأبحاث والدراسات العملية، لافتاً إلى دور الشعراء في هذا المضمار، إذ شكلوا مصدراً رئيساً لتلك الأمثال، تمحور حول كون الأمثال دائماً بيت قصيدهم أو مسك خواتمها، إذ يقدم الشاعر أحياناً قصيدة هي شرح أو تفسير لمثل شعبي. من جهته، أوضح مستشار التراث والتاريخ المحلي بدائرة التنمية السياحية في عجمان، علي المطروشي، مفهوم ونشأة المثل الشعبي، مشيراً إلى أن المثل هو لفظ يخالف لفظ المضروب له ويوافق معناه، وأضاف أن العوام أطلقوا على المثل اسم الوصف، كما سموا قائل المثل بالمتوَصِّف فقالوا: يقول المتوصِّف كذا وكذا. وتطرق إلى بعض ميزات الأمثال الشعبية، خصوصاً ارتباطها باللهجة العامية الدارجة، ما جعلها مفهومة لدى مختلف المستويات الثقافية، بالإضافة إلى كونها تعبر عن منظومة القيم الأخلاقية والاتجاهات النفسية الاجتماعية لدى الشعب، من خلال انعكاس معطيات البيئة المحلية بكل جوانبها الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية عليها، فعادة ما يتضمن المثل حكمة أو موعظة أو نصيحة، لذا فهو مستخلص من الحكم والتجارب الحياتية التي مرت بها الأجيال السابقة، فضلاً عن تميزها بالإيجاز وغلبة روح الفكاهة والخفة والظُّرف عليها. وتناول المطروشي أهمية الأمثال الشعبية في حياتنا اليومية، ودورها الكبير في تعديل سلوك الأفراد، من خلال تأثيرها النفسي عليهم، فهي كفيلة بخلق اتجاهات إيجابية لديهم، نظراً إلى ما تحمله من قيم اجتماعية سامية، كما تعد من أهم المصادر التاريخية لمعرفة نفسيات الشعوب، وتطورها الفكري والذهني والحضاري والأخلاقي عبر الزمن، بالإضافة إلى رصدها أحداث الحياة المتنوعة، وذكر العديد من الأمثلة على أبرز الأمثال الشعبية السائدة في دولة الإمارات والوطن العربي، لافتاً إلى وجود تشابه إلى حد كبير في ما بينها، من حيث الشكل والمعنى والمفردات، ومن تلك الأمثال: قال تيس قال احلبوه، والسبالة في عين أمها غزاله، لو فيه خير ما عافه الطير، واللي لادغنه الحنيش يتروع من الحبل. من جانبه، أشار أستاذ التاريخ القديم في جامعة الإمارات، الدكتور حمد بن صراي، إلى ظاهرة السجع التي حرص ضاربو الأمثال على انتهاجها عند تركيب المثل، واختيارهم لمفردات موزونة على القافية. بينما قال المحاضر في جامعة الشارقة، الدكتور سالم زايد الطنيجي، إن الأمثال الشعبية واحدة من مكونات الثقافة في دولة الإمارات، نتجت عن معاناة الشعوب قديماً في الحياة اليومية، خلال تعرضهم لمواقف معينة، أما اليوم فإننا ننعم بحياة مرفهة أبعد ما تكون عن الألم والمعاناة، فكيف لها أن تشكل مصدر إلهام للجيل الجديد لابتكار أمثال جديدة، لذا علينا تكثيف الجهود لتعريف جيل الرفاهية بالأمثال الشعبية القديمة وتوعيتهم بأهمية الحفاظ على ما تبقى منها.
مشاركة :