لَم أَكن في يَومٍ مِن الأيام من قبيلة الخائفين، لذلك تَجاهلتُ الحَديث عَن الخَوف، والغَوص في أعمَاقه، ولَكن حِين كبرتُ؛ عَاشرتُ بَعض الخَائفين، وهَذه المُعَاشَرَة جَعلتني أفتَح صفحة الخَوف، لأقرَأ مَا كُتب عَنه عَبر الأزمنَة، وقَد وَجدتُ مَعلومات مُذهلة عَن الخَوف وحَقيقته، وهَل هو مِن صَميم النفس؟ أم دَخيل عَليها..؟! ومِن أبرَز مَا تَوصلتُ إليهِ، أنَّ الخَوف أَمر نَفسي، بمَعنَى أنه اعتقَادَات يَعتقدها المَرء ويُصدقها، وقد أشَار إلَى ذَلك شَاعرنا الكَبير «أبوالطيّب المُتنبِّي»، حِين قَال: وَمَا الخَوْفُ إلاّ مَا تَخَوّفَهُ الفَتى وَمَا الأمْنُ إلاّ ما رآهُ الفَتى أمْنَا ومتَى شَعرنا بالخَوف، استسلمنَا لدَواعيه، وفي ذَلك يَقول الفَيلسوف «بومارشيه»: (عِندَما نَستسلم للخَوف مِن الشَّر، نَشعر فَورًا بشَر الخَوف). أمَّا أين يَسكن الخَوف؟ وأي القلوب يَختار؟ فقَد أجَاب عَلى ذَلك «شكسبير»، حَيث قال: (الخَوف لا يُرهب إلَّا القَلب الفَاسِد).. لذَلك مِن المُمكن القَول -وفقًا لنَظريّة شكسبير- أنَّ الخَائفين هُم أصحَاب قلوب فَاسِدة..! والخَوف المَقصود -هنا- لَيس الخَوف مِن الجمل أو الظلام، أو مِن المَوت، فهَذه مَخاوف مُبرَّرة، ومَقبولة، ومَعقولة، وإنما المُرَاد بالخَوف -هُنَا- الخَوف مِن الأفعَال، مِثل أنْ تَفعل شَيئًا؛ ثُمَّ تَخاف مِن نَتائجه.. كَأن تُسيء إلَى أحدٍ –مَثلًا- ثم تَخاف مِن مُواجهته، وقَد قَال الشَّاعر في وَصف هَذه الحَالَة: أَسَأتَ إِلَيَّ فَاسْتَوْحَشْتَ مِنِّي وَلَوْ أَحْسَنْتَ آنَسَكَ الجَمِيلُ حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القول: لله در فَيلسوفنا السَّاخر الكَبير؛ «جورج برنارد شو» عِندَما قَال: (الأكثَر خَوفًا في السِّجن هو مُدير السِّجن). تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :