من القصص القرآني الملفتة للنظر قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر عليهما السلام وهي قصة مليئة وحافلة بالمعاني والإشارات إلتقى فيها ممثل الشريعة وصاحب الرسالة سيدنا موسى بممثل الحقيقة العارف بالله سيدنا الخضر وكان بينهما سجالات وحوارات تستوجب القراءة.. وهذه بعض القراءات..ولنبدأ القصة..سئل سيدنا موسى عن أعلم أهل الأرض في زمنه.فقال أنا .فعاتبه الله تعالى لأنه لم يرد الأمر إليه سبحانه ويقول الله أعلم.. وقال له ..هناك من هو أعلم منك عبد من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما..فطلب موسى من الله تعالى أن يلتقي به فأخبره سبحانه بمكان اللقاء عند مجمع البحرين .. فاصطحب موسى أحد أتباعه وركبا البحر وبعد رحلة شاقة مجهدة عبر عنها سيدنا موسى بقوله..لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا.. بحثا عن رجل الحقيقة صاحب العلم اللدني وهو العلم المباشر من الحق سبحانه وتعالى وهو العلم المشار إليه بالعلم الرباني أو علم التجليات والمعارف والبواطن والحقائق وعلم القلوب يمنحه الله تعالى على أثر التجلى الرباني بالإلهام ..بمعنى ..أن الله تعالى يلقي في قلب العبد وسريرته ماشاء من العلم ويرزقه فهمه وهو صورة ومظهر من صور ومظاهر الوحي الإلهي وهو خاص بأهل الإجتباء والإصطفاء الإلهي من أهل محبة الله تعالى وولايته وسره.. والفرق بين العلم اللدني أو وحي الإلهام والتجلي وبين وحي التشريع والرسالات التي خص بها أهل النبوة وأصحاب الرسالات.. أن وحي الرسالات السماوية يتم بواسطة الأمين جبريل عليه السلام وهي متعلقة بالإيمان بالله تعالى وأوامره ونوهيه عز وجل وحدوده وأحكامه وتعاليمه والغاية منها الإيمان بالله تعالى وتوحيده وعبادته وطاعته سبحانه وإقامة منهجه وشريعته وبالإلتزام بها تستقيم حركة الإنسان في الحياة ..أما العلم اللدني يكن إلهاما مباشرا من الله تعالى بلا واسطة وهذا العلم حاوي وجامع للأنوار والمعارف والأسرار والحقائق وبواطن الأمور ومن المعلوم أن لكل شئ ما يقابله.. فيقابل علم الظاهر وهو علم الشريعة الذي يخاطب العقول علم الباطن وهو علم الحقيقة وهو العلم الذي يخاطب القلوب وأصحاب هذا العلم هم أهل الحقيقة والسر وهم أهل الوظائف الباطنة وهم أهل التصريف في الأرض بتكليف باطن من الله عز وجل ومنهم ما يسمى بالقطب الفرد الجامع وهو الوارث في الباطن لعلوم النبوة ومنهم الأوتاد والأبدال والأقطاب والنجباء وسوف أفرد مقالا عن هذه الوظائف التي قد لا يعرفها الكثير من الناس والتي ينكرها البعض لجهله بها..وحتى لا أطيل نعود إلى قصتنا ..بعدما تم اللقاء بين موسى والخضر طلب موسى صحبة الخضر بأدب الطالب مع الأستاذ فقال..هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا.. هنا نلحظ أدب وتواضع سيدنا موسى في طلب العلم. فمع مكانته الرفيعة بين السادة الأنبياء والرسل وكونه أحد أولوا العزم من الرسل وكليم الله تعالى إلا أنه بتواضع لطلب العلم ويسعى للمزيد.. فقال له الخضر .. إنك لن تسطيع معي صبرا ..وربما يسأل سائل هنا ..من أين جاء للخضر عليه السلام العلم أن سيدنا موسى لن يصبر على صحبته وإتباعه ..الإجابة ..لسيدنا الخضر نور يمشي به في الناس يسمى بنور البصيرة ..يقول تعالى ..أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها .. وفي الحديث..إتقي فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله ..وسيدنا الخضر سوف يأتي بأمور خارقة وخارجة في الظاهر عن علم ومنهج الشريعة والرسالة المكلف بها سيدنا موسى في الظاهر وينكرها العقل وفي نفس الوقت الخضر يعلم أن سيدنا موسى سيصاحبه بمنهج شريعته وليس بسر ولايته وهذا من كمال سيدنا موسى ..بمعنى..أن ما من نبي إلا وهو لله تعالى ولي وله نوره وسره ومعارفه إلا أنه لا يخرج عن دائرة التكليف وحكم الظاهر ..من هنا نقول أن سيدنا موسى لم يصاحب سيدنا الخضر بسر ولايته وإنما صاحبه بمنهج شريعته ومن هنا قدم سيدنا الخضر العذر لسيدنا موسى فقال بعدما قال إنك لن تستطيع معي صبرا..وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا..أي من ليس له علم في شريعتك.. نستكمل القصة.. هنا قال سيدنا موسى..ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا..هنا أخذ سيدنا الخضر العهد على سيدنا موسى على أن لا يسأله عن أمر حيث يحدثه به..قال فإن إتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا ..وبدأت الرحلة والصحبة ..يقول سبحانه..فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها..أي سيدنا الخضر ..قال سيدنا موسى معترضا ومنكرا لفعلة الخضر..أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ..أي منكرا فيه إفساد وأذى وضرر.. تبسم الخضر وقال ..ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا...هنا إعتذر سيدنا موسى وقال..لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا.. أي أعذرني ولا تصعب علي الأمر..نستكمل القراءات في المقالات التالية..
مشاركة :