"إزهار".. أول معرض تشكيلي جماعي بمصر يتحدى كورونا | محمد عبدالهادي | صحيفة العرب

  • 6/19/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

جاء أول معرض للفن التشكيلي بمصر في ظل جائحة كورونا بعنوان “إزهار” اسما على مسمى، بعدما فتح المجال أمام مجموعة كبيرة من الفنانين الشباب لعرض أفكار من بيئاتهم الأصلية بمدارس واتجاهات مختلفة من الفن، وبمحاولات شبيهة بنباتات غضّة في مرحلة إزهارها تمهيدا لنضجها وجني ثمارها مستقبلا. القاهرة- يُشارك في المعرض المصري الجماعي “إزهار” والذي يستضيفه غاليري “سفر خان” بحي الزمالك في القاهرة ويستمر حتى منتصف أغسطس القادم، 30 فنانا شابا بإجمالي 42 عملا فنيا تعبّر عن غالبية المدارس والاتجاهات، بين التصوير والواقعية والتجريدية والنحت، لترصد تفاصيل من حياة المصريين، منذ الفراعنة وحتى العصر الحاضر. وجاء “إزهار” كأول معرض للفن التشكيلي بمصر في ظل جائحة كورونا، وسط أجواء تسيطر عليها الإجراءات الاحترازية، حيث يعجّ الفضاء برائحة التطهير والتعقيم، ولا يسمح بدخول أكثر من شخصين في وقت واحد ليقوما بجولتهما بصورة عكسية ما يمنع تقاربهما أو سيرهما بجوار بعضهما البعض، مع ارتداء واقيات الوجه ومنع وضع اليد على أي من اللوحات خاصة الزيتية التي يستحيل تعقيمها. تفاعل متبادل المعرض يركّز على الثمار الوفيرة للشباب، وهو انعكاس كلي لهوية مصر الجماعية ورحلتها من البدايات الفرعونية إلى الحداثة المعرض يركّز على الثمار الوفيرة للشباب، وهو انعكاس كلي لهوية مصر الجماعية ورحلتها من البدايات الفرعونية إلى الحداثة تقول منى سعيد، مديرة غاليري “سفر خان”، إن المعرض ثمرة عامين من البحث عن المواهب الشابة في مصر كلها، وعقد لقاءات مع قرابة 120 موهبة فنية جديدة، ليتمّ انتقاء أفضلهم، ومنحهم الفرصة في معرض جماعي يلقى اهتماما كبيرا من متذوّقي الفن التشكيلي بمصر. ورفض المنظمون الأعمال التي تتناول كورونا أو نمط الحياة التي يعيشها العالم حاليا، فاختيار توقيته جاء لإعادة الإحساس بالفن والبهجة والهدوء وربما فرصة لنسيان الواقع الصعب، ومشاعر القلق والخوف والإحباط التي تسيطر على الجميع منذ ظهور الوباء للزائرين، وتوفير فرصة لاستعادة جزء من حياة الحرية في مرحلة ما قبل ظهور الفايروس. وترتبط الأعمال المشاركة بخيط واحد يعبّر عن جذور الفنانين المشاركين فيها، وانتمائهم لبيئاتهم الأصلية، فمال رسّامو جنوب مصر نحو الحضارة الفرعونية والنيل والتراث القديم الذي امتزجوا به وشكّل هوياتهم منذ الطفولة، بينما فضّل فنانو المحافظات الساحلية، البحر بأمواجه وتقلبّاتها، وانغمس الباقون في المشاعر الإنسانية والهدوء أمام صخب الحياة، ومعارك الجمال والقبح وتصوّراتها. تؤكد منى سعيد، لـ”العرب”، أن جميع اللوحات المشاركة متاحة للمشاهدة عبر الإنترنت أيضا، لكن زيارة المعارض ورؤيتها معلقة على الحوائط، تخلق درجة من التناغم بين متذوّق الفن والخطوط المرسومة، وتفجّر قدرا من الأحاسيس لا يمكن تحقيقها إلاّ بالتعاطي المباشر مع اللوحة في مكانها الطبيعي. وتستوقف الزائرين لوحة بعنوان “شمس” للفنانة سلمى العشري، تعبّر عن المشاعر المتضاربة داخل النفس البشرية، وتفتح مجالا للتفكير العميق حول تنافي الاسم مع مضمون الرسم، بتجسيدها قمرا في شكل طفولي بعينين ناعستين، ووجه هادئ، وفم باسم، وأشعة بيضاء تنتهي أطرافها بصور رسوم تعبيرية “إيموشن” تجسد أحاسيس متفائلة يسيطر عليها الضحك الممزوج بالحب. واختار الفنان علاء أبوالحمد، التعبير عن رؤيته للحياة بأنشودة فرعونية من عصر الدولة الحديثة عن الموسيقى، براقصات ترتدين الملابس الفاخرة من الكتان المنسجم مع الجسم، ويبرز جماله مع شكل الشعر ورسمة العين، لتكتمل الصورة الجمالية في النهاية بأطياف من الصفاء والنقاء. وتسيطر على المعرض الصبغة النسوية في الأعمال فجعلت اللوحات المرأة صيغة معادلة للجمال، بين ذوات الملامح الغربية بأزياء راقية، والأفريقيات بشعرهنّ المتحرّر وملابسهنّ الخفيفة الدافئة والبدويات بردائهنّ التقليدي البسيط، وعرائس البحر في أعماق المحيطات، وأعطت بعض المعروضات “التاء المؤنثة” جمالا إضافيا برسمهنّ كباقات من الزهور متباينة الألوان تعطي جمالا معنويا إضافيا ممزوجا بشهوة الورد ورائحته وأشواكه. وصنعت الفنانة هند طنطاوي في لوحة “مسكن للألم” مزاوجة بين الجمال البشري والطبيعة، بشابة تنظر لسلاسل جبال ممتدة وقت الغروب باحثة عن رغبات ذاتية بين القمم والسهول، لتخلق نوعا من التخدير الذهني للمشاهدين بما يمكنهم من التحرّر لدقائق من الضغوط وآلام الحياة، واستشفاف الأمل في فجر جديد، يولد من رحم الغيوم الرمادية المتراكمة. تكامل أنثوي معرض يراعي الإجراءات الاحترازية من وباء كورونا معرض يراعي الإجراءات الاحترازية من وباء كورونا قدّمت هند الفلافلي، بالفحم والأكريليك في لوحة “تكامل” نموذجا آخر للجمال النسوي بوجهي فتاتين شديديّ السمرة بعيون ملونة، إحداهما تملك نظرة تحدّ وقوة، والأخرى ضعيفة مستكينة، في تجسيد لامتلاك المرأة صراعا فريدا في داخلها بين “الرقة” و”القوة”، ولتستكمل نمطا من الفن منشغلا بالنساء وأفكارهنّ وأحلامهنّ وآمالهنّ دأبت عليه منذ سنوات. وابتعدت المنحوتات كثيرا عن عالم الجمال الحسي الخاص باللوحات، وارتكنت إلى الروحانيات والترميز، مثل الفنان ماجد ميخائيل، المتخصّص في النحت الفراغي والميداني، والذي شارك بتمثالين من البرونز يحملان رؤية حداثية بعنواني “الصلاة” و”الحراسة”، يحملان رمزية شديدة حول الدين كعلاقة خاصة بين الإنسان وربه. وظهرت الروحانية الفلسفية ذاتها في لوحة كريم عبدالملاك، الباحث عن التحرّر النفسي من الأمور الحياتية وتجاوز حدود الجسد البالي بفعل الزمن في لوحته “دوائر الحياة” التي تستلهم فكرتها من قصة الملكة بلقيس وهدهد سليمان، بمعالجة تنبثق من اعتقاده بأن البشر خُلقوا ليشعروا بالحب، فهم يبحثون في ثنايا أرواحهم عن اليقين الساكن فيها، وينيرون ظلمة حياتهم بالطهر والعطاء والسلام الذاتي. وعرّج بعض الفنانين في لوحاتهم إلى التاريخ، يستلهمون منه الحكايات وينقّبون في ثناياه عن الإبداع مثل لوحة “مقتل شجرة الدُر” للفنانة أسماء خوري التي قدّمت مشهدا درامياً كاملا لحادث قتل ملكة مصر المملوكية على يد جواري السلطان عزالدين أيبك، انتقاما منها على تدبيرها مقتل الأخير. ترتبط الأعمال المشاركة بخيط واحد يعبّر عن جذور الفنانين المشاركين فيها، وانتمائهم لبيئاتهم الأصلية، فمال رسّامو جنوب مصر نحو الحضارة الفرعونية والنيل والتراث القديم وفضّل البعض التعبير عن قضايا عصرية، مثل الفنانة وئام علي التي وجدت ضالتها في قضية الهجرة، وصنعت منحوتا من البرونز على شكل سفينة هائمة في بحر من الفراغ، وتركت باقي تفاصيل القصة للمشاهدين لاستكمالها وفقا لتوجهاتهم ليرسم البعض نهاية مأساوية لمحاولتهم بالغرق، وربما يكون آخر متفائلا فيتخيّل وصولهم إلى بر الأمان وبدء حياة جديدة في جو بعيد عن القهر والفقر وغياب الفرص. ولم يبتعد الفنان إبراهيم خطاب، في المزج بين التشكيل والرسومات الهندسية و”الفيديو آرت”، الذي يمكن من التعبير عن هواجس الإنسان المعاصر وتطلعاته، وشارك بلوحة بعنوان “الشفق”، تتصارع فيها الألوان مع الوجوه ممزوجة بزخارف إسلامية، لتصنع في النهاية لوحة تحمل نوعا من العبق التاريخي وشعورا بأنها متقادمة مرّ على رسمها عدة سنوات. قال الناقد التشكيلى صلاح بيصار، في كلمة مقتضبة ضمن المطبوع الدعائي للمعرض، إنه يركّز على الثمار الوفيرة للشباب المبدع ويعد انعكاسا كليا لهوية مصر الجماعية ورحلتها من البدايات الفرعونية إلى الحداثة، ويفسح المجال لمجموعة متنوعة من الفن عبر وسائط وموضوعات مختلفة، تنسج الثقافة المصرية والمجتمع. ويجني معرض “إزهار” ثمار مزايا المعارض الجماعية التي تتّسم بالتنوّع الإبداعي، فكل فنان يرتشف من رحيق إبداعه الذي ينطلق من بيئته ومنطلقاته الفكرية، كما يفتح المعرض أمام زائريه مساحات أكبر للإرضاء بصرف النظر عن المدارس الفنية المحبّبة لديه، وأداة صناعة العمل الفني سواء كانت الفرشاة أم القلم أو حتى إزميل النحت الضخم.

مشاركة :