الميرغني وأسامة يتعثران في أول بطولة تلفزيونية مطلقة | محمد عبدالهادي | صحيفة العرب

  • 7/16/2020
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

يمثل مسلسل “اتنين في الصندوق” محاولة لإعادة اكتشاف مجتمع جامعي القمامة بتناول كوميدي، لكنه وقع في فخ التعامل الطبقي مع فئة مظلومة اجتماعيا، وساهم في زيادة التنمر عليها بدلا من إنصافها، وصادر حق العاملين فيها بتحقيق أحلامهم بأيديهم وجعلها مقترنة بتدخلات القدر. يصعب توصيف المسلسل المصري “اتنين (اثنان) في الصندوق” كعمل كوميدي أو اجتماعي فهو خليط بينهما، تطغى الدراما داخله أحيانا على الضحك، وتارة يصدح بالنكت التي تتراوح بين الضحك والسخافة، في محاولة من مؤلفه للتحايل على جفاف صناعة النكتة، والهروب من أسلوب الاسكتشات الذي يلقى انتقادات واسعة. ويتناول العمل الذي يمثل البطولة الأولى للفنانين حمدي الميرغني وأسامة الشهير بأوس أوس، بعيدا عن باقي زملائهما في فرقة “مسرح مصر”، حياة عاملي نظافة لديهما مجموعة من الأحلام بتغيير واقعهما نحو الأفضل، فأحدهما زيكا، يريد أن يصبح مغنيا، والآخر شوقا يتمنى أن يكون ممثلا شهيرا، لكنهما في النهاية يفتقران لأي موهبة فنية تمكنهما من تحقيق طموحهما في الحياة. العمل من تأليف لؤي علي وإخراج محمد مصطفى، يمتلك خيوطا درامية جيدة كانت كفيلة بوضعه في مكانة خاصة مختلفة عن باقي الأعمال مع استشفاف رسالة قوية يسعى لتقديمها تتعلّق بحق كل البشر في الأحلام بواقع أفضل أيا كانت مهنتهم أو أعمارهم أو مستواهم الاجتماعي، وبدلا من التركيز عليها بجعلها نابعة من الشخص ذاته وكفاحه وجهده جعل التغيير قدريا وإعجازيا باكتشاف زيكا وشوقا أن أبيهما الحقيقي رئيس دولة، وجاءا نتيجة علاقة آثمة مع خادمته، التي فضلت تهريبهما إلى مصر حتى لا يتعرّضا للقتل. ويمثل العمل امتدادا لمشكلة في صناعة الدراما الكوميدية تتعلق بتنحية منطقية الأحداث جانبا من أجل الضحك، فلا يعقل في مجتمع تقليدي يقوم على الطبقية أن تقع خلاله المعلمة الجميلة المنتمية إلى الطبقة فوق المتوسطة في عشق عامل النظافة غير الوسيم الذي يطرق بابها يوميا ليحمل مخلفاتها. تمتد عدم المنطقية بعلاقة الراقصة سونيا وعبده ممادو، رئيس دولة زمبيزي، الثري، فالراقصة تفتل حبالها من أجل أن يتزوّجها قبل تحقيق رغبته في معاشرتها، وتساومه رغم وجود عشرات البدائل لنزواته. وتكرّر الأمر مع عجز الكلاب البوليسية في اكتشاف المخدرات التي تم وضعها أعلى عربة القمامة لزيكا وشوقا وكانت سببا في هروبهما إلى المغرب باعتقادهما أن الجهات الأمنية ستلقي القبض عليهما. يحمل المسلسل نوعا من التنمر الطبقي ليس في التقسيمات المعتادة للطبقات ولكن داخل طبقة الفقراء دون معالجة نقدية لها، فعامل النظافة “الزبال” يرى نفسه أفضل من “الفرّاش” (صانع القهوة والشاي) باعتبار أن غيابه يحمل تأثيرا مجتمعيا بتوقّف حياة البشر وتعريض حياتهم الصحية للخطر، على عكس العامل الذي يمكن لأي شخص القيام بدوره، أو تنمر “الزبال” و”الفرّاش” على “الغطاس” (مهنة الغطس في آبار الصرف الصحي لتنظيفها) والتي تعتبر مهنة مقزّزة. وأثار العمل غضبا في قطاع العاملين بمهنة جمع القمامة التي تتضمن أثرياء في العالم الحقيقي يعيش بعضهم في قصور، بسبب إهانات متعمدة لهم في مشاهد متعددة للعمل، وأشهرها مقولة شوقا لحبيبته نونة، “بالرغم من أن أبوكي زبال بس إنتي متربية كويس” (رغم أن والدك عامل قمامة لكن تربيتك جيدة). المسلسل يظل محاولة جيدة للهروب من سطحية الأعمال الكوميدية باحتوائه مسحة اجتماعية، رغم السقطات التي يضمّها وكانت اللغة التي تحدّث بها رئيس زمبيزي ونائبه هجينا مشوّها بين العربية والفصحى لم يقتنع الجمهور بأنهما يمثلان دولة أفريقية، مع شعور يتسرّب إلى المشاهد بعجز السيناريو عن إيجاد بعض الكلمات فيزجّ بألفاظ دارجة بدلا منها، وهي لغة كانت دارجة منذ الخمسينات وانزوت باعتبارها تمثل مخاطرة كبيرة، فإما أن يكون مضحكا أو يحمل قدرا من النشاز السمعي والاستياء لدى الجمهور. وفقد السيناريو بوصلته كثيرا في الزجّ بشخصية الرئيس ممادو في الحلقات الأولى من المسلسل دون توظيفها في الأحداث، إلّا في الحلقة الـ23، وظل دورها مقتصرا على أنه ينوي النزول إلى القاهرة للبحث عن التوأم المفقود، وعدم القدرة على إدارة دفة الحوار بعد التغيرات التي انتابت حياتهما ومعرفتهما بأنهما ابنا رئيس ومرشحان لتولي دفة الأمور في بلدهما الأصلية “الدكتاتورية” التي يخطّط حاكمها للزجّ بأحدهما في معارك السياسة لمنع خروج الحكم عن العائلة. ولم يجنح المسلسل كثيرا في استغلال عنصر المفاجأة في المفقودين فبمجرد معرفة ممادو من خادمته بوجود طفلين له في القاهرة جعل المخرج اللقطة التالية على زيكا وشوقا مقدّما العقدة في لحظتها، ولم يحسن أيضا اللعب على أوتار المعركة الانتخابية لرابطة الزبالين، ومنحها إسقاطات على الواقع أكثر ثراء بجعلها مقتصرة على مشكلات مجتمع جامعي القمامة فقط دون المجتمع بشكل عام فما يعانون منه ليس مقتصرا عليهم ويشمل عشرات المهن الأخرى. وربما كان بيومي فؤاد الممثل الوحيد الخاسر من مشاركته في العمل، فشخصيته فرضت عليه أداء نمطيا للغاية وإلزامه بالفصحى أفقده قدرته المعتادة على الإضحاك، وحافظ طوال العمل على ضحكة صاخبة ومكرّرة ليس لها هدف سوى محاولة إقناع الجمهور بأنه دكتاتور شرير يتلذّذ بعذاب شعبه. يحمل العمل مساحات كبيرة من التمطيط والتكرار لمدة 16 حلقة كاملة، فمنذ الحلقة الخامسة فقد قدرته على الإضحاك وتم الزجّ بشخصيتين ليس لهما سياق في الأحداث، بهدف التطويل كالملحن عز بنكت مفتعلة وعلاقاته شديدة الغرابة بحبيبته، والراقصة سونيا التي تبدو شخصيتها دخيلة على القصة. ويحمل المسلسل نوعا من الذكاء في الدفع بنجوم الكوميديا من جيل الشيوخ لدعم الجرعات الأدائية مثل صلاح عبدالله (الريس حربي) وعبدالله مشرف (عم رزة) اللذين كانا أكثر الشخصيات إضحاكا وأداء دراميا في الوقت ذاته، بطريقتهما المعتادة لاستخدام لغة الجسد المتماشية مع الموقف دون افتعال، والتي تساعد أي مخرج على توصيل المعنى المطلوب بسهولة. ويمثل العمل ثاني محاولة في المجال الدرامي التي تتطرّق إلى مجتمع الزبالين بعد فيلم “انتبهوا أيها السادة” لحسين فهمي ومحمود يس، ما فتح المجال للمقارنة بينهما والتي كانت في صالح السينما بقصتها الأكثر منطقية حول “عامل قمامة” يقع في حب ابنة محام كبير من سكان إحدى العقارات التي يقوم بتنظيفها، فيتقدّم لخطبتها معتقدا أنها خادمة قبل أن يتعرّض للإهانة والطرد، فيقرّر الانتقام بطريقته الخاصة بعد أن يصبح ثريا من نشاطه في التجارة بالمواد الخام المهملة والعقارات. ويقول الناقد أندرو عادل، إن الميزة التي تضمنها المسلسل هي الاعتماد بشكل كامل على السيناريو والإخراج دون الخلطة الدارجة التي تعتمد على الارتجال، والقدرات الذاتية مثل خفة الدم وقبوله جماهيريا. وتواجه المسلسلات التي تجمع بين الكوميديا والدراما أزمة في مواجهة عزوف الجماهير مع انخفاض مساحات الضحك، فنوعية المشاهدين التي تقبل عليها تريد التحرّر من الضغوط والمشكلات، وتتعرّض لصدمة وإحباط حينما تنتقل الأحداث نحو التأزّم والمأساوية كما حدث في “اتنين في الصندوق” الذي مال إلى التعقيد مع هروب عاملي النظافة خوفا من الاتهام في قضية مخدرات. ويتضمّن العمل قدرا من الصراع المتعدّد بين شيوخ الزبالين من ناحية، وبين ممادو وبدير الحديدي الذي تخصّص في كتابة مقالات ضد “زمبيزي” ومحاولات شرائه المستمرة بالأموال، وصولا في النهاية إلى ثورة شعبية نحّته من السلطة لا تحمل من دلالات إسقاطية بتحرك الجماهير إلا بتوجيه من الخارج وليس من الداخل. ويضيف أندرو عادل لـ”العرب”، أن العمل لم يحقّق نجاحا جماهيريا كبيرا في عرضه الأول، لكنه مقبول على مستوى القصة والإخراج، ويمكن اعتباره من أفضل الأعمال الكوميدية التي تم عرضها مؤخرا. ويظل مسلسل “اتنين في الصندوق”، رغم السقطات التي يضمّها محاولة استكشافية للهروب من سطحية الأعمال الكوميدية في العقد الأخير، بمنحها مسحة اجتماعية، لكنه لم يخل من الاستسهال في الصناعة واستدرار الضحك بلا حرفية عالية.

مشاركة :