فيلم "رأس السنة" يفشل في جذب جمهور السينما بمصر | محمد عبدالهادي | صحيفة العرب

  • 7/24/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الإيرادات الهزيلة التي حقّقها فيلم “رأس السنة” في شباك تذاكر دور السينما المصرية بعد استئنافها العمل، أتى أمرا متوقعا، فالفيلم لا يمثل سوى فكرة طرأت في رأس مؤلفه المنتج محمد حفظي، فحوّلها على عجل إلى عمل فني، دون أي حبكة قوية، والسيناريو مليء بالأحداث غير المكتملة حتى بين الشخصيات المحورية الأساسية. لم يحقّق فيلم “رأس السنة” في أول أيام إعادة عرضه بدور العرض السينمائي بعد عودتها للعمل مؤخرا سوى 10 دولارات فقط، رغم ضمه مجموعة كبيرة من الفنانين مثل إياد نصار وبسمة وإنجي المقدم وشيرين رضا، وتقديمه تحت شعار ينجح كثيرا في مداعبة خيالات الجمهور الشاب بقصر الحضور على الكبار فقط. وعادت دور العرض السينمائية في مصر للعمل بعد توقف استمر لنحو أربعة أشهر بجمهور لا يزيد عن 25 في المئة من طاقتها كإجراء احترازي لمنع تفشي فايروس كورونا، وأعيد طرح سبعة أعمال تذيلها في قائمة الحضور والإيردات “رأس السنة” ليدفع العمل ثمن التعليقات السلبية للجمهور الذي حضر عروضه قبل فترات التوقف الذي لم يجد فيه ما يلبي طموحه على المستوى الفني. وتنطلق الأحداث من ليلة رأس السنة لعام 2009 لسبب غير واضح، لكن ربما يمكن ربطها بالفترة اللاحقة للأزمة المالية العالمية التي ضربت إيرادات السياحة عالميا في مقتل، ومعها المنتجعات المصرية التي كانت تستعد حينها لاستقبال 12 مليون سائح، غالبيتهم من منخفضي الانفاق الذين لا تتجاوز تكلفة الإقامة الكاملة للواحد منهم أسبوعا كاملا 200 دولار. ويقدّم العمل رصدا لفئة من مجتمع الأغنياء في مصر بطقوسه الغريبة ونمط حياته الغربي الصرف، بتتبّع قصص مجموعة من شباب الجامعة الأميركية ينظمون حفلا في إحدى القرى السياحية بمنتجع الجونة على البحر الأحمر، والمشكلات التي يعانون منها على المستوى الذاتي والأسري، مقارنة بأوضاع أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة الذين يعكفون على خدمتهم وربما إرضاء نزواتهم. وتفرط القصة كثيرا في الرصد الخارجي غير المعمق لمظاهر الترف التي تعيشها طبقة الأغنياء بنمط ملابسهم وسياراتهم المليونية وهواتفهم التي يلقونها في المياه رغم سعرها الباهظ والعناية بحيواناتهم ومعاملاتها كأحد أفراد الأسرة، ووضعها في مواجهة أنماط من الشباب الفقير الذي يتذلّل للحصول على فرصة عمل من أجل شراء ملابس جديدة لأبنائهم ومكابدتهم مشاق توفير لقمة العيش لأبنائهم بأجر يومي لا يتجاوز أحيانا عتبة التسعة دولارات. ويبدأ التشابك الحقيقي للأحداث منذ لحظة استقلال شريف (الفنان أحمد مالك) المترف سيارة إسعاف يقودها كمال (الفنان الأردني إياد نصار) موزّع نبتة الحشيش (ديلر) في آخر أيام السنة لحين إيفاء أصدقائه بباقي ثمن الشحنات التي قام بتسليمها لهم، ويضطر للمضي معه في رحلة مكوكية على الفنادق والبيوت الفاخرة، يفقد فيها الشاب الصغير الكثير من احترامه لشبكة معارفه الذي لم يتخيل يوما أنهم يتعاطون، خاصة شقيقته الكبرى رانيا (الفنانة بسمة) التي يكن لها كامل التقدير. انفصام مجتمعي تحمل الفحوى الرئيسية للعمل حالة انفصام يعاني منها المجتمع الشرقي، خاصة فكرة الانغماس في الحرام سرا وادعاء الشرف علنا، ولم تفرّق تلك الازدواجية بين الشاب الذي يقدّم فحولته الجنسية لراغبات المتعة بين الأجنبيات دون المصريات ويرفض عمل شقيقته ليلا حفاظا على شرفها، أو هجوم شريف (أحمد مالك) على شقيقته بعدما ضبطها تشتري المخدرات، وهو في حالة نشوة من التعاطي وترديده عبارة “فضحت العائلة”، أو حتى رفض مستضيف حفلة رأس السنة تعاطي الحضور سجائر محشوّة بالمخدر في منزله، رغم استضافة المكان لموبقات أخرى كتناول الخمور والهيروين. وفتح العمل العديد من الخيوط الدرامية التي لم ينهها أو يتعمّق في رصد أسباب تحوّلاتها في حرص شديد على تطبيق مفهوم أفلام “اليوم الواحد” التي لا تتضمن في الغالب بداية ووسطا ونهاية، وتركز على أنماط من الشخصيات وعلاقاتها معا، فلكل شاب يحضر الحفل وكل خادم لهم قصة أو عقدة لم يتم حلها أو توضيح لسبب نشأتها في الأساس، ما بين شاب يهمله والده ويتفرّغ للزواج ببنات صغيرات السن أو آخر لا يهتم سوى بعمله ويترك نجله يستقبل ثلاث فتيات في منزله بمنتهى البساطة، أو زوجة تشعر بالحرمان العاطفي، أو أخرى لا تتواكب مع تغيرات مستجدة لشخصية زوجها وميله نحو التديّن. وحتى الشخصية المحورية في العمل الممثلة في “كمال” تمر القصة عليها مرور الكرام رغم ثرائها بتفاصيل تكفي لوحدها لعمل كامل لشاب ورث مستشفى من والده بحي راق، وتحوّل في النهاية إلى “ديلر” لتوزيع المخدرات يمارس نشاطه من سيارات إسعاف ويحمل ضغينة تجاه الأغنياء في مفارقة تفتح باب التساؤلات حول علاقته بوالده الذي قال إنه لم يترك له سوى المستشفى، وهو إرث كفيل بتأمين حياة مترفة لشاب طوال حياته، أو تأكيده على أنه ذاق طعم “الكافيار” ولن يرضى بالبطارخ (بيض الأسماك الشعبية المملحة). ويؤكّد السيناريو تعجّل محمد حفظي، الذي يمثل واحدا من أهم منتجي السينما المستقلة في مصر ويملك خبرة في الكتابة السينمائية، فلم يستثمر نقاط الذروة في عمله جيدا خاصة لحظات انكشاف الشخصيات أمام ذاتها، أو سقوط ادعاءات الفضيلة من على أجسادها، وهي مشكلة تطارد حفظي في الكثير من أعماله الأخيرة كان أكثرها قوة على مستوى الحبكة عملي “التوربيني” لأحمد رزق و”أسوار القمر” لمنى زكي وكلاهما مقتبس من السينما الأميركية، الأول مستوحى من “رجل المطر” لتوم كروز وداستن هوفمان، والثاني من “قبل أن أذهب للنوم” لنيكول كيدمان. ويحاول حفظي توصيل رسالة تقضي بعدم الحكم على الإنسان من ملابسه أو طريقة تعامله، وأفخاخ التعميم التي يعاني منها المصريون كاعتقاد الفقراء أن الأثرياء لصوص نهبوا خيراتهم، ففي اعتقاد كمال أن كل فتيات الطبقات الثرية سيئات السلوك، وأن كل الأغنياء يعيشون صراعا بين رغباتهم الدونية ومظهرهم الاجتماعي. وفي المقابل تتيقّن سوزي (الفنانة شيرين رضا) التي تنظم حفلا نسائيا موازيا للحفلة الأصلية بأن كل من يزاول مهنة التدليك “المساج” لديه استعداد فطري لممارسة الجنس. ولم يسلم المؤلف من فخّ التعميم بتقديم غالبية أبطاله في أدوار سلبية وصورة شديدة البوهيمية والاستعداد للخيانة حتى أن إحدى الفتيات تعتب على صديقتها استمرارها في صداقة شاب شهرين كاملين دون أن يجربا المعاشرة الجنسية، متهكمة عليها بالقول “شكله مفكر أنك فرجن” (هل يعتقد أنك لا تزالين عذراء). انتقادات متعددة الوجوه يحاول “رأس السنة” توجيه نقد عنيف لمن يحكمون على البشر من مظاهرهم الخارجية فقط بشخصية بوسي (الفنانة جيهان خليل) الفتاة الصغيرة التي تتزوّج رجلا في عمر والدها وترتدي ملابس مكشوفة طوال الوقت، لكنها في النهاية تحافظ على شرفها ولم تنجر للخطيئة، ووضعها في مواجهة مريم (الفنانة إنجي المقدم) الزوجة الأرستقراطية التي تنجر نحو الخيانة لمجرد حدوث تغيرات لزوجها بعد عودته من رحلة الحج وميله نحو التديّن برفضه إغداق الهدايا باهظة الثمن على الابن حتى لا يتعلم المظاهر “الكذابة” (الخادعة)، وممانعته ارتدائها الملابس المكشوفة كالمعتاد، وخشيتها أن يطلب منها ارتداء الحجاب مستقبلا. ويحمل الفيلم الكثير من سمات الدراما برتابة أحداثها ومللها أحيانا، فالصراع الحقيقي لم يبدأ إلاّ بعد مرور 30 دقيقة، والباقي انحسر كثيرا في مشاهد رقص عارية بجوار حمامات سباحة أو استعراض مكرّر للانحلال الأخلاقي لمجتمع الشباب المقصود، مع وجود بعض الشخصيات غير المؤثرة في الأحداث التي تم الزجّ بها ربما للإطالة فقط، مثل عم شعبان (الفنان إبراهيم فرج) الذي يلعب دور خادم بأحد القصور، أو عم محمود المسؤول عن توزيع حارسي السيارات في نطاق حفلة رأس السنة. ولا يخلو العمل من جوانب فلسفية تتعلق بمحاولة الإنسان تزييف حقيقة وضعه بتغيير المسميات فقط، فكمال لا يرى نفسه تاجرا للمخدرات لكنه وسيط بين طبقتي الأثرياء والفقراء التي يجب أن تظل أبواب الاتصال بينهما مقفولة وقاصرة على الوسطاء صونا للتعايش الاجتماعي ومنعا لإزكاء نار العنف الطبقي، والتأكيد على أن الظروف قد تدفع بالإنسان إلى الضعف والجريمة.

مشاركة :