الاتفاق الجزئي يضع قضية سد النهضة أمام مصير غامض | | صحيفة العرب

  • 6/20/2020
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة – عادت فكرة التوقيع على اتفاق جزئي بشأن سد النهضة، تطل برأسها من جديد، الجمعة، عقب انفضاض الجولة الأخيرة من المفاوضات بين وزراء الري كل من مصر والسودان وإثيوبيا، دون تحقيق تقدم على المستوى القانوني، كمحاولة للتوصل إلى حل وسط يوقف زحف بعض السيناريوهات القاتمة، والتي يمكن أن تؤدي إلى أزمات أشد صعوبة. ووضعت الخرطوم المسؤولية على كاهل رؤساء الوزراء في الدول الثلاث، ما يعني أنهم مطالبون بتقرير مصير المرحلة المقبلة، وأي شكل سوف تتخذه، فإما التوصل إلى اتفاق نهائي وإما القبول بآخر جزئي وإما الاستعداد لسيناريوهات غامضة. وأكدت وزارة الري المصرية، بعد ختام الجولة الأخيرة من المفاوضات، الأربعاء الماضي، عدم تحقيق تقدم يذكر عما كانت، في إشارة إلى الفشل الذي حذرت منه القاهرة مع انطلاقها بدعوة من رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك. وقالت دوائر مصرية غير رسمية، إن الأفكار المتداولة بشأن الاتفاق الجزئي تخدم مصالح إثيوبيا، وتمكنها من المضي قدما في خطة الملء الأول في يوليو أو أغسطس المقبلين، بذريعة التعهد بالنظر في مخاوف البلدين وأخذها بعين الاعتبار. وأكد العضو السوداني في لجنة سد النهضة المستقيل، أحمد المفتي، الجمعة، أن الاتفاق الجزئي هو “الوجبة السامة التي يجري طبخها حاليا”، محذرا من توقيع السودان ومصر أو أحدهما على ذلك. ولم تحدد الدوائر المصرية والسودانية التي توقفت عند ما يسمى “خدعة الاتفاق الجزئي”، الجهة أو الجهات التي تروّج لذلك، لكن مجموعة الأزمات الدولية أشارت إليه كحل وسط، وهو ما جعل البعض يتوقعون تجدد الحديث حوله. وطالب مجلس الأمن القومي الأميركي إثيوبيا بضرورة الاتفاق قبل البدء في ملء خزان سد النهضة، ومراعاة مصالح شعوب المنطقة، ولم يشر إلى كيفية الوصول إلى ذلك. وأشرفت الولايات المتحدة، ومعها البنك الدولي، خلال الفترة من نوفمبر إلى فبراير الماضيين، على مفاوضات جرت بين الدول الثلاث لتسوية الأزمة في واشنطن، لكن الوساطة انفضت دون اتفاق نهائي، مع أنها أعلنت التوصل لتفاهمات حول 90 في المئة من الخلافات ووضعت وثيقة اتفاق مبادئ وقعت عليها مصر فقط بالأحرف الأولى. ولم تواصل الإدارة الأميركية طريقها للاستمرار في التفاوض، وهو ما فهم منه البعض أن واشنطن غير مستعدة لممارسة ضغوط على أديس أبابا، التي تمادت في رفض التفاهم حول حلول وسط، وعملت على تهيئة الأجواء للحل الجزئي. القاهرة تعارض فكرة أديس أبابا الرامية لتوقيع اتفاق جزئي يمكنها من البدء في خطة الملء الأول للسدّ قريبا أوضح البعض من الخبراء، أنه من الموضوعات التي ينبغي أن يشملها أي اتفاق، أمان السد، لأنه لا يستقيم الحديث عن قواعد الملء والتشغيل، إلا بعد التأكد من أنه آمن ويغطى الاحتياجات الحالية والمستقبلية من المياه لدولتي المصب، وهي الزاوية التي تتهرب منها إثيوبيا. ويشير هؤلاء، إلى أهمية أن يتضمن الاتفاق توضيح الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وكان من المفروض تحديدها قبل البدء في تشييد سد النهضة، اتساقا مع ما يمثله هذا النوع من الدراسات، ودوره في تحاشي العيوب مستقبلا. وجسّ رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في العاشر من أبريل الماضي، النبض حيال مشروع اتفاق جزئي خاص بقواعد الملء الأول، لكسب المزيد من الوقت حتى يتم التوصل لاتفاق نهائي، لكن لم تتجاوب معه أي من القاهرة والخرطوم. وحاولت أديس أبابا استمالة الخرطوم بمفردها للتوقيع على اتفاق جزئي، وإحراج القاهرة في خطوة رأى فيها المراقبون أنها متعنتة ولا تريد المضي في طريق. قال نادر نورالدين، خبير الموارد المائية، إن إثيوبيا تريد أن يوقع السودان على اتفاق جزئي منفرد للترويج بأن مصر شاردة عن السياق، ووجود إجماع بين دول حوض النيل الشرقي، لكن الخرطوم أدركت عدم وجود نوايا طيبة بعد حادث منطقة الفشقة وهجوم ميليشيات مسلحة مدعومة من الجيش الإثيوبي على الحدود السودانية ومقتل عدد من المواطنين. وأكد لـ“العرب”، أن الموقف المصري ــ والسوداني واضح في ما يتعلق برفض الاتفاقات الثنائية، مهما كانت الضغوط الدولية، والتصميم على التوصل لاتفاق ثلاثي ملزم، ولا تزال الخرطوم تحاول في هذا السياق. وعادت إثيوبيا لعرض فكرة الاتفاق الجزئي على الخرطوم بمفردها، لكن وزارة الري السودانية، اعتبرت في 12 مايو، “توقيع أي اتفاق جزئي للمرحلة الأولى لا يمكن الموافقة عليه، لوجود جوانب فنية وقانونية يجب تضمينها في الاتفاق”. ولفتت إلى أن معظم القضايا تحت التفاوض، وأهمها آلية التنسيق وتبادل البيانات وسلامة السد والآثار البيئية والاجتماعية المرتبطة ارتباطا وثيقا ليس فقط بالملء الأول، وإنما بكل مراحل الملء والتشغيل طويل المدى، وبالتالي لا يمكن تجزئتها. وأوضح حمدي عبدالرحمن، الخبير في الشؤون الأفريقية، أن خيار لا اتفاق أفضل من اتفاق جزئي منقوص، لأنه إذا استمرت إثيوبيا في خططها بالملء الأول سيمثل تصرفها انتهاكا صريحا لإعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث بالخرطوم في مارس 2015، وموقف الأطراف الدولية الفاعلة، منها الولايات المتحدة والصين. ويمكن لمصر إلغاء الاتفاق، ما يسحب الاعتراف بمشروعية السد نفسه، ما يجعل إثيوبيا لا تستطيع تحمل تداعيات ذلك كله، كما أن نهاية المسار التفاوضي تعني وجود أوراق أخرى مهمة تمتلكها القاهرة قد تدفع بأديس أبابا إلى العودة مرة أخرى للتفاوض والتوصل لصفقة عادلة. ولوحت القاهرة قبل أيام، باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم شكوى ضد إثيوبيا، وعليه تحمل مسؤوليته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ومنع نشوب نزاعات بالمنطقة، الأمر الذي استنكرته إثيوبيا، واعتبرته ضغطا سياسيا تمارسه القاهرة عليها.

مشاركة :