واشنطن تخطئ والعرب يدفعون الثمن | الحبيب الأسود | صحيفة العرب

  • 6/30/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

هل سيكون على العرب دائما أن يدفعوا ثمن الرهانات الخاطئة على الولايات المتحدة؟ يبدو أن هذه هي الحقيقة، والعرب لا يدفعون فقط ثمن رهاناتهم الخاطئة على واشنطن، وإنما كذلك ثمن أخطاء الإدارات الأميركية المتلاحقة وفشلها في تقدير المسائل، كما حدث في العراق الذي تم تسليمه لإيران، بعد غزو عسكري بني على معلومات تمت فبركتها خصيصا لتنفيذ المهمة، ليس من أجل الديمقراطية ولا من أجل أمن الخليج، ولكن لضمان أمن إسرائيل بالدرجة الأولى ونهب ثروات بلد عربي كان يحقق التوازن الإستراتيجي المطلوب مع المشروع القومي العنصري الفارسي الهادف إلى بسط نفوذه على المنطقة تحت غطاء الطائفية المذهبية. منذ 17 عاما، والعراق يعاني من نتائج مغامرات بوش الأب، ومن التدخل الإيراني السافر الذي تحول إلى احتلال لمواقع القرار ومراكز النفوذ، ومن تفاقم الفساد وغياب التنمية واستمرار منطق الثأر والتشفي حيث لا مصالحة ولا تجاوز للماضي، ولا إفراج عن سجناء النظام السابق أو بالأصح على من تبقى منهم أحياء، ولا محاولة لجمع شتات المهجرين على امتداد العالم، ولا لإثبات انتصار روح الوطنية العراقية على الصراعات الطائفية والمذهبية والمحلية التي أفلتت من عقالها بعد الغزو، وأدت إلى تصدعات في بنية الدولة استغلها الإرهاب والتطرف للتسلل والتموقع من خلال طفرات متحركة أو خلايا نائمة. كذلك الأمر بالنسبة لليبيا التي يعتبر ما حدث بها في العام 2011 امتدادا لما حصل للعراق في 2003، وليس لما شاهدته تونس ومصر خلال ما سمي بثورات الربيع العربي، فقد كان الهدف إسقاط الدولة العقائدية بكل مؤسساتها، وبناء دولة الإسلام السياسي على أنقاضها، من خلال ميليشيات وجماعات إرهابية تعمل على إذلال الشعب وتحييد إرادته. كان التدخل الدولي في ليبيا مبنيا بدوره على جملة من التقارير الإعلامية التي اعترف الغرب لاحقا بأنها كانت كاذبة، ولكن واشنطن وحلفاءها استمروا في الدفع نحو المزيد من تأزيم الموقف لتنفيذ مشروعهم، بالتمكين للإخوان والجماعة المقاتلة وبعض القوى المحلية والعرقية للسيطرة على السلطة، وتكريس نظام هش يحتاج إلى الحماية من قبل المندفعين للسيطرة على مقدرات البلد الغني في شمال أفريقيا. ولم يعد خافيا أن الإسلام السياسي اتجه منذ عقود لإعلان الولاء التام للقوى النافذة في الغرب. ونفذ كل أشكال التآمر ضد الأنظمة في البلدان التي ينتمي إليها، وكان في صدارة المتدافعين للفوضى الخلاقة مقابل ضمانات بتحقيق سلام شامل ولكنه غير عادل مع إسرائيل، والتفريط في السيادة. إن ما حدث خلال الفترة الماضية في ليبيا، من تدخل تركي سافر عبر الآلاف من المرتزقة والإرهابيين، الذين تم نقلهم من شمال سوريا إلى طرابلس ومصراتة، ما كان ليكون لولا الضوء الأخضر الأميركي والدعم غير المباشر من حلف الناتو، بزعم التصدي للنفوذ الروسي في شرق المتوسط وضفته الجنوبية، على إثر تقارير فبركتها قوى الإسلام السياسي وروجتها أبواقه ومنصاته العابرة للحدود، وتبين لاحقا أن جانب الوهم فيها كان أكثر بكثير من الحقيقة، وأن الهدف من تلك التقارير هو الدفع من جديد بالجماعات المتشددة للسيطرة على الجغرافيا الليبية بالكامل وبغطاء غربي بدعوى التصدي للروس. الوضع في سوريا لا يختلف، والثابت أن واشنطن وعددا من حلفائها يعملون بكل قوة للإطاحة بنظام بشار الأسد، وما قانون قيصر الذي يجري تطبيقه حاليا إلا حلقة في مسلسل الصراع الذي سيؤدي في حالة انتهائه بإسقاط النظام، إلى ما هو أخطر من الدور الروسي الإيراني، وأقصد سيطرة البديل التركي الإخواني بميليشياته المسلحة وجماعاته الإرهابية، ما سيؤدي إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، والى تهجير الملايين من السوريين الداعمين للنظام إلى دول أخرى، وعودة عاصفة الربيع العربي بالغطاء الإسلاموي لتضرب دولا أخرى، يعتقد قادتها اليوم أنها في مأمن من المؤامرة، وهي في الواقع ليست بعيدة عنها، وإنما في قلبها، فالنظام التركي يريد الهيمنة على دمشق، ولا ينوي الوقوف عندها، كما يريد الهيمنة على ليبيا ولا يريد الوقوف عندها. واهم من يعتقد أن المشروع التركي أقل خطرا من المشروع الإيراني، بل إنه الأخطر بما لديه من خيوط عدة للعبة التي يديرها، وقد كشّر عن أنيابه في ليبيا بعد سوريا والعراق بقوة السلاح، وهو اليوم يوسع من نفوذه بواسطة القواعد العسكرية من الدوحة شرقا إلى طرابلس غربا، ويبحث عن موقع له في اليمن، وبات يشكل خطرا على القرن الأفريقي، إضافة إلى اختراقاته للدول الأخرى عبر الإعلام والتعليم والاستثمارات والتبادل التجاري والجمعيات الخيرية وتجارة السلاح. أيضا من خلال قوى الإسلام السياسي، التي تبدي تبعية كاملة لأردوغان وتنظر إليه كمرشد للتنظيم العالمي. وحتى من خلال القاعدة الشعبية التي تعاني من الهوس الديني، والهشاشة النفسية، المدفوعة بوهم الإسلام الثوري الذي لا ترى منه إلا الشعارات المناوئة في العلن للغرب وإسرائيل، ويقابلها في السر توافق تام مع واشنطن وتل أبيب، ليس من خلال المخططات فقط، وإنما من خلال التعاون على جميع الأصعدة لضرب ما تبقى من مقومات الدولة الوطنية في المنطقة العربية. في الحالات العراقية والليبية والسورية، تم الرهان منذ اللحظة الأولى على الجماعات الدينية المتشددة والميليشيات المنفلتة، وكانت الولايات المتحدة وراء ذلك الرهان، ويبدو أنها لا تزال تسير في ذات الاتجاه، وبعد أن تأكد فشلها في السيطرة على المارد الطائفي الشيعي المرتبط بإيران، والذي أطلقته في العراق عام 2003، اتجهت للرهان في سوريا وليبيا على المارد الجهادي السني، الذي يدور في الفلك التركي، وبعد أن فشلت في احتواء الأول، لا تزال تعتقد أنها قادرة على احتواء الثاني رغم أنه يمثل خطرا أوسع، نظرا لأنه يستهدف أغلب دول المنطقة. إن القبول بنقل تركيا للآلاف من المرتزقة للقتال في ليبيا لا يقل خطرا عن السماح لها بعد 2011 باستقبال الإرهابيين من كل دول العالم، والدفع بهم إلى الجوار السوري، وفي الحالتين تم كل شيء بضوء أخضر أميركي، فما يهم واشنطن هو إصلاح أخطائها بأخطاء أفدح، فلولا غزوها للعراق ما كان لإيران أن تتمدد في سوريا واليمن ولبنان بذلك الشكل، ولولا دعمها للجماعات الإرهابية المستوردة في سوريا ما كان لروسيا أن تجد المبرر لدخول الأراضي السورية بتلك القوة، ولولا التدخل المباشر في ليبيا في 2011 ما كان للميليشيات أن تسيطر، ولا للإرهاب أن يستوطن، ولا لتركيا أن تتدخل عبر جماعات المرتزقة، وللوضع أن يهدد باندلاع حرب إقليمية. إن كل التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأميركان لا يمكن أن تنفي عن واشنطن تحالفها مع الأتراك، في مخططات معادية للعرب، وخاصة لحلف الاعتدال، وحتى إن كانت واشنطن لا تقصد ذلك، فإن أردوغان يعرف كيف يكيفها لخدمة مشروعه التوسعي، على حساب المنطقة العربية، وبالدرجة الأولى على حساب دول لا تزال تعتقد أن الولايات المتحدة حليف موثوق به.

مشاركة :