فتحت تصريحات وزير مكافحة الفساد والوظيفة العمومية محمد عبو الستار على أخطبوط الشركات الأجنبية، التي وجدت في تونس ملاذا آمنا لتبييض الأموال دون تحقيق أي عوائد للخزانة العامة في ظل فشل سياسات الدولة قبل ثورة يناير 2011 وبعدها في السيطرة على حركة الأموال المشبوهة رغم ترسانة القوانين ما أطلق العنان للأنشطة غير القانونية. تونس - عجزت تونس طيلة عقود عن تفكيك بارونات الشركات الأجنبية المبيضة للأموال، والتي كانت خلال حقبة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي تدور في فلك العائلة الحاكمة لتتكاثر بعد الثورة متجاوزة كل الخطوط الحمراء مستغلة ضعف المنظومة القانونية والرقمية. وساهم الزخم الثوري في إطلاق الجمعيات المشبوهة، التي سرعان ما ظهرت أهدافها الحقيقية في دعم الإرهاب والتطرف ما تسبب في تدني تصنيف تونس في مؤشرات الشفافية والتنافسية العالمية وإدخالها للقوائم السوداء لتبييض الأموال ودعم الإرهاب قبل أن تخرج منها العام الماضي ومنتصف يونيو الجاري. ورغم سحب تونس نهائيا من القائمة التابعة للاتحاد الأوروبي للبلدان المعروفة بنقص استراتيجي على مستوى الإجراءات المتعلّقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لكن لا تزال تعوز البلاد إجراءات لتحقيق الشفافية والرقابة المطلقة. وكثفت تونس من تحركاتها لمحاصرة شركات الظل التي تحول أموالا ضخمة إلى البلاد لتبييضها بدل استغلالها في استثمارات تحقق إيرادات للاقتصاد يما يسهم في خفض معدلات البطالة. ويرى خبراء أن مناخ الفساد الذي شاع خلال حقبة بن علي وازدهر بعد الثورة مع امتداده إلى شبكات أوسع وإلى مجالات أكبر بفعل التجاذبات وشبهات الفساد التي رافقت العديد من الشخصيات السياسية النافذة سهل تجذر الفساد. محمد الصادق جبنون: الانفلات بعد الثورة قلص الرقابة على التحويلات المالية محمد الصادق جبنون: الانفلات بعد الثورة قلص الرقابة على التحويلات المالية ونقلت وسائل إعلام محلية لوزير مكافحة الفساد والوظيفة العمومية محمد عبو قوله إنه “تمّ كشف تقرير سري في وثائق الدولة يتعلق بشركات أجنبية تأتي إلى تونس وتستفيد منها ولا تحقق عوائد للدولة ولا تشغل أي شخص وفي المقابل تحول مبالغ مالية كبيرة”، مشددا على أن هذا الملف هو محل بحث وتقص. وأوضح عبو خلال جلسة استماع صلب لجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد بالبرلمان الاثنين الماضي أن بلاده لا تريد مستثمرين يأتون إليها بغاية تبييض الأموال. وأكّد الوزير إعداد مشروع قانون متعلق بالهيئة المركزية للتفقديات الوزارية سيتم تقديمه إلى رئيس الحكومة، لجمع التفقديات في هيكل واحد تحت مسمى هيئة متفقدي الدولة يكون تحت سلطة رئيس الحكومة. ودعا عبو متفقدي الدولة وموظفي الهيئات الرقابية إلى “عدم العودة للوزير المباشر في صورة اكتشاف أي جرائم”، مضيفا أن القانون يسمح لهم بإبلاغ النيابة العمومية مباشرة متعهدا بعدم التدخل في أي عمل رقابي. وأصدرت تونس العام الماضي القانون الأساسي لمكافحة الإرهاب ومنع غسيل والذي تضمن كافة متطلبات التوصيات الأربعين لمجموعة العمل المالي (غافي) لمكافحة جرائم غسيل الأموال والجرائم المتأتية منها. وقال الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون لـ”العرب” إن “الانفلات الحاصل بعد الثورة في كل أجهزة الدولة والإدارة وخاصة الانتشار العشوائي للجمعيات الخيرية قلص الرقابة على المعاملات المالية وقوض نجاعتها في تقصي مصادر الأموال وطرق الإنفاق”. وأضاف أن “بعض الجمعيات الخيرية وجدت منافذ للقيام بأنشطة غير قانونية وتمويل أنشطة الإرهاب وتبييض الأموال كما امتد ذلك إلى أنشطة التوريد والقطاع الموازي والتهريب”. وأكد الخبير أنه “خلال 2014 تم الضغط على تونس لاتخاذ قوانين قوية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وهو ما تمّ بالفعل لتسجل تونس منظمة تشريعية ناجعة وتم غلق العديد من الجمعيات”. واشتد ضغط الاتحاد الأوروبي خلال ذلك العام بالتزامن مع إطلاق الحوار الوطني لتشكيل حكومة مهدي جمعة حينها لتنفيذ إصلاحات موجعة على المنظومة المالية والنقدية ومحاصرة حركة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب التي تجاوزت الخطوط الحمراء. وأشار الخبير إلى أن هنالك نقائض حيث أن تكدس الملفات المودعة لدى البنك المركزي والتي كثيرا ما تكون من بينها ملفات غير مبنية على وقائع علمية تستنزف طاقة المركزي ومن الممكن أن يؤثر ذلك على نجاعة مراقبته للملفات ولو بصفة نسبية. معز حديدان: الشركات استغلت قانون التبرعات لتمويل الجمعيات المشبوهة معز حديدان: الشركات استغلت قانون التبرعات لتمويل الجمعيات المشبوهة واقترح الأخذ بالتجربة الأميركية والفرنسية في هذا المجال وإحداث وكالة وطنية لمكافحة الإجرام المالي ومراقبة التدفقات المالية لتخفيف العبء على المركزي الذي يقود السياسة النقدية الكاملة للبلاد بهدف تركيز الجهود وضمان نجاعتها. وتجمع الأوساط الاقتصادية على ضرورة إرساء هيكل لمراقبة التدفقات المالية لمحاصرة أنشطة الظل وتجفيف منابع تبييض الأموال من منابعها. واستغرب جبنون للتعطيل الذي نجم عن هذه الإجراءات في علاقة بالاستثمار الخارجي والسياحة، إذ أثر ذلك في أداء المركزي لتسوية التحويلات المالية للمستثمرين والسياح الذين يضخون أموالا ضخمة ويتم تعطيلهم لأيام لمراقبة تحويلاتهم المالية فضلا على البيروقراطية الإدارية الكبيرة. ولفت إلى أن خروج تونس من كل القوائم السوداء على غرار قائمة غافي وقائمة الاتحاد الأوروبي هي إشارات إيجابية على موقع تونس خارجيا، بحيث لم تعد البلاد منصة لتبييض الأموال ودعم الإرهاب وهي انتصرت في حربها على الإرهاب في صعيده المالي. وتسبب إدخال تونس في قوائم سوداء لتبييض الأموال ودعم الإرهاب في تقليص إشعاع تونس كوجهة استثمارية إذ فرض المستثمرون شروطا مجحفة في نقل الأموال إلى البلاد وتسبب ذلك في إشكاليات كبيرة اقتصاديا. وقال الخبير الاقتصادي معز حديدان لـ”العرب” إن “الفرق بين حقبتي بن علي وما بعد الثورة هو أن الفساد في عهد الرئيس الراحل والممارسات غير القانونية كانا يدوران بين مجموعة أشخاص معلومة للجميع، ولكن بعد الثورة وصل المهربون إلى البرلمان وصار لهم وزن وحصانة في الساحة السياسية”. واعتبر الخبير أن خروج تونس من قائمة مجموعة الاتحاد الأوروبي وقبلها الخروج من مجموعة العمل المالي لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب سيكرس نوعا من التكاسل بالنسبة للحكومة التي ستخفف من إجراءات الرقابة وتعود للتساهل وتخفيف الخناق على المهربين ومتجاوزي القانون. وأشار إلى أن الحكومة تغيب عنها إرادة حقيقية لاقتلاع أسباب تبييض الأموال من جذورها، مشددا على ضرورة مراجعة القوانين التي تتضارب مع أهداف مكافحة تبييض الأموال. وأوضح أن قانون التبرعات استغلته بعض الشركات لتتمتع بحوافز جبائية ومن ثم تضخ أموالا إلى دعم جمعيات ذات غايات مشبوهة.
مشاركة :