أثار إعلان رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ عدم اللجوء إلى الاقتراض الخارجي والتعويل على موارد الدولة الخاصة تساؤلات حول مدى القدرة على تعبئة هذه الموارد دون التداين، في وقت لا تزال فيه البلاد تكافح تبعات القروض السابقة، أم أنها ستسعى إلى إقرار المزيد من الضرائب في ظل شلل الإنتاج وبطء نسق النمو العالمي جراء تداعيات أزمة كورونا. تونس - غذى إعلان الحكومة التونسية غلق نافذة الاقتراض الخارجي المخاوف من استمرار السياسات المالية الترقيعية باللجوء إلى فرض المزيد من الضرائب في ظل عدم وجود هذه الموارد بفعل تداعيات الإغلاق وفشل سياسات الحكومات المتعاقبة طيلة سنوات في إخراج الاقتصاد من النفق المظلم. وجاءت تصريحات رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في وقت تكافح فيه تونس أزمات اقتصادية لا حصر لها زاد الوباء في تعميقها جراء تراجع نشاط مختلف القطاعات المنتجة منذ ثورة يناير 2011 ودخول البلاد في مسار تجاذبات سياسية يجمع مراقبون على أنها زادت في تحجيم الأداء الاقتصادي. وقال الفخفاخ خلال مقابلة مع محطة “التاسعة” التلفزيونية بُثت مساء الأحد إن “الحكومة اتخذت قرارا بعدم اللجوء إلى التداين الخارجي والتعويل على موارد الدولة الخاصة وهي تحترم كل تعهداتها في ما يتعلق بصرف الرواتب، رغم الوضعية المالية الحرجة”. وأثار التصريح استغراب الخبراء ومتابعي الشأن العام ممن شككوا في قدرة الحكومة على مكافحة تداعيات الوباء دون اللجوء إلى قروض خارجية. وشدد الفخفاخ على أن “نسبة المديونية تجاوزت كل المؤشرات المسموح بها دوليا وأصبحت تهدد سيادتنا الوطنية، وكلّ ما سيطرأ من نفقات جديدة لن يتمّ تمويله عبر القروض الخارجية”. وأوضح أن حكومته قد تضطر إلى تخفيض الرواتب في حال استمرت المتاعب الاقتصادية والمالية، وفي ظل الوضعية الحرجة للمالية العامة. ومن المحتمل أن يفجر الإجراء صراعا مع الاتحاد العام التونسي للشغل صاحب النفوذ القوي بين الطبقة العمالية، والمتوقع أن يرفض القرار مما قد يؤدي إلى إضرابات احتجاجا على القرار خاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم. نادر حداد: أي احتقان جديد قد يؤدي للتخلف عن سداد الدين الخارجي نادر حداد: أي احتقان جديد قد يؤدي للتخلف عن سداد الدين الخارجي ويتوقع أن تصل ديون تونس بنهاية هذا العام إلى 94 مليار دينار (32.3 مليار دولار)، أي ما يعادل 75.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن البعض يرجح أن تتجاوز ذلك السقف. ويشكك خبراء في قدرة تونس على غلق نافذة الاقتراض الخارجي نهائيا نظرا لمحدودية مصادر التمويل وضعف النمو، فضلا عن المطالب من جانب أكبر نقابة للعمال بالبلاد ومنظمات أخرى تمثل خريجي الجامعات العاطلين عن العمل. وأقر الفخفاخ بصعوبة الوضع الاقتصادي وبوقع القرارات على الشركاء الاجتماعيين بقوله “سنطرح كل الملفات الحارقة على طاولة الحوار مع الشركاء الاجتماعيين في كنف الشفافية والوضوح والمصارحة”. وقال الخبير الاقتصادي نادر حداد لـ”العرب” إن “تونس لا يمكن أن توقف الاقتراض نهائيا ولكنها ستصدر سندات للاقتراض من الخارج وهي ليست خيارات فالوضعية تفرض ذلك”. وأضاف أن “اقتصادات كبرى في العالم تضررت بشدة من كورونا ولجأت إلى الأسواق المالية العالمية وتونس ذات اقتصاد هش لا يمكنها إدارة الوضع الاقتصادي دون اقتراض”. وشدد على ضرورة تحسين تقييم الديون الائتمانية التي تراجعت بفعل تداعيات كورونا، ما يفاقم المخاطر المالية، علاوة على تضرر أبرز شريك اقتصادي وهو الاتحاد الأوروبي الذي ترتبط به تونس اقتصاديا واستراتيجيا. وشهد التصنيف الائتماني لتونس تراجعا حيث وضعت وكالة موديز تونس عند مستوى بي.2 وهو قيد المراجعة نحو التخفيض. وقامت وكالة التصنيف الأميركية فيتش رايتنغ بمراجعة تصنيف تونس بتخفيضه إلى بي مع آفاق مستقرة. ورغم نجاح تونس من بين الدول القلائل في الحد من انتشار الوباء إلا أن ارتباطها بالدول الأوروبية التي يتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يتراجع بنحو 8.7 في المئة في نسب النمو ألقى بظلال قاتمة على فرص النهوض بالتجارة الخارجية. ودعا حداد إلى تحسين الأداء الائتماني من خلال سياسة تسيير مالية ناجعة وتجنب الزيادة في الرواتب والمحافظة على السلم الاجتماعي والاستقرار الحكومي. وتغيب أي مؤشرات إيجابية في الوقت الراهن لتحقيق هذه الأهداف حيث تغلب التجاذبات على الساحة السياسية وأججتها مطالب حركة النهضة الإسلامية صاحبة الأغلبية البرلمانية بتوسيع الحزام الحكومي وإحداث تغييرات على الحقائب الوزارية الأمر الذي يعمق عدم الاستقرار الحكومي. وحذر الخبير الاقتصادي من أن أي حالة احتقان جديدة كتلك التي وقعت في 2018 يمكن أن تجر البلاد إلى تخلف على الدين الخارجي، وهو السيناريو الأقرب إلى إعلان الإفلاس مثل وضعية لبنان. وخلال تلك الفترة، دخلت الحكومة السابقة برئاسة يوسف الشاهد في صدام كبير مع اتحاد الشغل على خلفية مطالب عمالية انتهت بإقرار زيادة في رواتب القطاع العام وإسناد امتيازات أخرى لقطاع التربية والتعليم. وقال حداد إن “انعدام النمو ومصادر التمويل يعني بالضرورة ضرائب جديدة على أنشطة معينة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، مشيرا إلى أن تكلفة كورونا ستكون باهظة على الاقتصاد نظرا لتقليصها هامش المناورة“. وتتخوف الأوساط الاقتصادية التونسية من إقرار ضرائب جديدة تثقل كاهل المواطنين والشركات وتنذر باحتقان اجتماعي قد يكلف البلاد خسائر لا تقوى على تحملها نتاج ما قد ينجر من اضطرابات اجتماعية. وشدد حداد على الحاجة إلى هدنة اجتماعية في تونس لمدة عام أو أكثر لتعبئة الموارد وتجنب تعطل الإنتاج، مشيرا إلى أن مطالب اتحاد الشغل مشروعة وعلى الحكومة المضي قدما في طريق الإصلاحات التي طال انتظارها. واعتبر أن الحكومات المتعاقبة كرست سياسة الترقيع ولم تعالج المعضلة المالية العامة لتونس من جذورها، حيث إنها لم تقم بالإصلاحات المطلوبة كتحرير السوق والمنافسة النزيهة والقضاء على الاقتصاد الريعي والبيروقراطية والانفتاح الاقتصادي. وأشار إلى أنه كلما طالت مدة الإصلاحات فإن فرص إنعاش الاقتصاد تغدو أصعب مما قبلها، لافتا إلى 10 سنوات من التجاذبات حرمت تونس من تحقيق التقدم الأمر الذي استغلته بلدان أخرى لصالحها للاستحواذ على موقع البلاد اقتصاديا وتجاريا.
مشاركة :