أيقظ قرار غلق باب التعيينات في الوظائف الحكومية للعام الرابع على التوالي المطلبية الشعبية في تونس حيث أجج قرار حكومي بوادر السخط لدى النقابات العمالية، التي عبرت عن رفضها القاطع لهذه الخطة، ما يعمق التحديات أمام الحكومة،التي تكافح مخلفات الوباء وتجاذبات سياسية عميقة داخل البلد، الذي يعاني أصلا من مشاكل اقتصادية لا حصر لها. تونس - أثار قرار رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ موجة من التنديد والرفض داخل الأوساط النقابية، التي عبرت في بيانات عديدة عن رفضها لتحمّل فاتورة فشل السياسات العامة في البلاد رغم تبريرات خبراء بأن القرار ناتج عن ضغوط كبيرة على المالية العامة، التي لا تحتمل نفقات جديدة في ظل شح مصادر التمويل والركود الاقتصادي. وأعلن الفخفاخ، نهاية الأسبوع الماضي، عن بعض الخطوط العريضة لموازنة 2021 والهادفة إلى الحد تداعيات فايروس كورونا، من خلال منشورتم توجيهه إلى الوزراء والمحافظين ورؤساء الهياكل والهيئات الدستورية، إذ أوصى فيه باتخاذ تدابير للحد من الإنفاق العام خاصة في ما له علاقة بالوظائف في القطاع العام. ومن ضمن القرارات التي تضمنها المنشور، غلق باب التوظيف للعام المقبل باستثناء بعض الاختصاصات الملحة وذات الأولية القصوى إلى جانب إرجاء إنجاز برامج جديدة للتكوين، وتأجيل الترقيات، والتحكم في حجم مخصصات الأجور، وعدم تعويض الشغور الناتج عن إحالة الموظفين والعمالعلى التقاعد،وعدم سداد الساعات الإضافية باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية ومؤسسة رئاسة الجمهورية. حسيب عبيدي: التوظيف الحكومي يخضع لمنطق الغنيمة والولاء الحزبي حسيب عبيدي: التوظيف الحكومي يخضع لمنطق الغنيمة والولاء الحزبي ولم يتأخر الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد، في التعبير عن رفضه القاطع لهذا القرار الذي وصفه بأنه يكرس السياسات اللاشعبية واللا اجتماعية التي ستزيد من نسبة البطالة وتحمل الموظفين تبعات أزمة كورونا. ونسبت وكالة الأنباء الرسمية للناطق الناطق باسم الاتحاد سامي الطاهري، قوله إن “مكاسب الأجراء ليست للمساومة وعلى أنه لا تنازل عن حقوقهم المضمنة في القوانين.” وأضاف الطاهري، الذي يشغل أمين عام مساعد لرئيس الاتحادإن “المنشور يتضمن توصيات لا اجتماعية تستهدف الموظفين وتحملهم أعباء خلل التوازنات العامة، الذي تسببت فيه خيارات الحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية التي اختارت أن تنسج على المنوال نفسه.” وكان اتحاد الشغل قد خاض خلال العامين الماضيين موجة من الاحتجاجات والإضرابات طيلة أشهر مع حكومة يوسف الشاهد المنتهية عهدتها حيث انتهت بتوقيع اتفاق يقضي بزيادة رواتب موظفي القطاع العام فضلا على مكاسب أخرى تم إقرارها بالنسبة لقطاع التربية والتعليم تضمن ترفيع الأجور وتقليص سن التقاعد وتصنيف مهنة التدريس ضمن المهن الشاقة. وقالحسيب عبيدي عضو المكتب التنفيذي لاتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل، وهي منظمة تمثل خريجي الجامعات اللذين لم يلتحقوا بسوق العمل، في تصريح خاص لـ”العرب” “نرفض رفضا قاطعا المنشور الحكومي ولن نبقى مكتوفي الأيدي وسنذهب في مسارين إلى الاحتجاج كحق دستوري وكوسيلة ضغط”. ودعا عبيدي أعضاء الاتحاد وكافةالعاطلين عن العمل للتعبئة للاحتجاج، مشيرا إلى أن بابالحوار والتفاوض مفتوح”من منطلق دورنا كمنظمة وطنية مع تقديم المقترحات والحلول”. وتجمع منظمات وخبراء على أن سياسة التوظيف في تونس تحتوي اختلالات كبيرة وهو ما تعرض إليه عبيدي بقوله”هناك خلل في سياسة التوظيف والتعييناتتتم حسب الولاءات الحزبية للحاكمين الجدد وملف التوظيفأصبح يخضع لمنطق الغنيمة الحزبية أكثر من ذي قبل”. وشهد القطاع العام بعد ثورة يناير 2011 انفلات كبيرا في التوظيف وصفه خبراء بـ”التعيينات العشوائية”، حيث تم تشغيل الآلاف في القطاع الحكومي والعام بالتزامن مع فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية ما وضعها في دائرة الشبهات والاتهامات بإثقال كاهل المالية العامة والتعامل مع الدولة وفق منطق الغنيمة. وتعيش المالية العامة ضغوطا كبيرة في ظل تواصل العجز في الموازنة وارتفاع حجم النفقات الحكومية مقابل محدودية مصادر التمويل رغم الانتعاشة الطفيفة خلال العامين الأخيرين في بعض المؤشرات الاقتصادية على غرار انخفاض نسبة التضخم وارتفاع مخزون النقد الأجنبي وارتفاع عائدات السياحة. تدهور القدرة الشرائية تدهور القدرة الشرائية واعتبرعبيديأن الضغوط التي تواجهها المالية العامة ناتجة عن ضبابية الرؤية و تواصل اعتمادنفس المنوال التنموي الفاشل إضافةإلى عدم حوكمة التصرف وانعدام الشفافية في إدارةالموارد الاقتصادية،فضلا علىتفشي الفساد، الذي أثر بصورة مباشرة على النمو. وأشار إلى أن الصعوبات الاقتصادية، التي تعيشها تونس نتيجة لكون التغيرات الاجتماعية والسياسية قابلها جمود على المستوى الاقتصادي مما خلق هوة بين واقع سياسي واجتماعي متسم بالحركية الدائمة والمطلبية المتواصلة و بين واقع اقتصادي جامد لم يواكب هذه التطورات. وتعرض عبيدي إلى هشاشة قوانين التوظيف لافتا إلى أن “عقود العمل الهشة التي وضعتها الدولة لحث القطاعات الخاصة على توفير فرص عمل هي قوانين جائرة وتحرم الشباب الباحث عن عملوالمنتفع بتغطية اجتماعية في القطاع الخاص من حقه في التوظيففي القطاع العام”. وفي خضم هذا الرفض، عبرت تنسيقية عمال الحضائر بالحوض المنجمي بمنطقة المتلوي من محافظة قفصة جنوب البلاد عن رفضها لخطة الحكومة، التي “تهدد السلم الاجتماعي”،كما دعت مختلف المنظمات الاجتماعية الأخرى إلى التصدي لسياسات الحكومة. حاتم بوبكري: عقود العمل التي وضعتها الدولة للعاطلين كرست الفساد حاتم بوبكري: عقود العمل التي وضعتها الدولة للعاطلين كرست الفساد وقال حاتم بوبكري النائب عن حركة الشعب، وهي أحد مكونات الائتلاف الحكومي في تصريح خاص لـ”لعرب إن”حزبه ضد المنشور الحكومي القاضي بوقف التوظيف في القطاع العام معتبرا أن المعركة الحقيقية في هذه المرحلة هي معركة العمل وتخفيض البطالة”. وأوضح بوبكري، وهو عضو المجلس الوطني لحركة الشعب “كنا قد تقدمنا بمبادرة تشريعية مفادها توفير فرص عمل للذين طالت بطالتهم أكثر من 10 سنوات ونحن بصدد دراسة الأفضل بما يتماشى مع إمكانيات الدولة المالية وعوض غلق باب التوظيف يجب التفكير في البدائل.” وأشار النائب إلى أن منظومة العمل تشكو إشكاليات كبيرة وكانت تقوم على المحسوبية والرشوة والولاءات قبل الثورة و”خلنا أن بعدها ستتغير الأمور”، غير أن الوضع تفاقم وقام طرف سياسي بإغراق المؤسسات العامة بالتوظيف العشوائي مما عمق عجز المؤسسات الاقتصادية من جهة، وتدهور خدماتها، من جهة أخرى، نظرا لعدم ارتكازها على الكفاءة. واعتبر أن عقود العمل التي وضعتها الدولة لحث القطاع الخاص على توفير الوظائف فتحت الباب أمام أصحاب الأعمال لابتزاز المتقدمين على الوظائف وذلك بطلب مبلغ مالي منهم من ضمن المساهمة، التي يحصلون عليها من الدولة لتخفيف عبء الراتب على الشركة الخاصة كشرط لتوفير وظيفة لهم. وتكافح تونس تحديات اقتصادية صعبة في ظل تدهور نسب النمو وتراجع القدرة الشرائية خلال السنوات الأخيرة الماضية وتقلص حركة الاستثمارات فضلا على تجاذبات سياسية متواصلة ومطلبية شعبية كبيرة زادت من حجم التركة الثقيلة. وحاولت الحكومات المتعاقبة إنجاز إصلاحات اقتصادية ومالية قصد ترشيد النفقات والتحكم في حجم مخصصات الأجور العامة ضمن اتفاق مجموعة قروض من صندوق النقد يقع صرفها على مراحل.
مشاركة :